وجاءت غزوة بدر، وما سبقها من معاهدات عقدها الرسول صلى الله عليه وسلم مع القبائل التي تمر تجارة قريش في أراضيها، لتسد الطريق في وجه هذه التجارة مما أوقع قريشاً في حرج شديد، وجعلها على عتبة أزمة اقتصادية خانقة، يدل على ذلك تصريح صفوان بن أمية أحد رجالات قريش وأغنيائها، إذ وقف يوماً يحدد معالم الأزمة الاقتصادية التي أمست قريش على عتبتها ويقول:"إن محمداً وأصحابه قد عوروا علينا متجرنا، فما ندري كيف نصنع بأصحابه؟! لا يبرحون الساحل، وأهل الساحل قد وادعهم، ودخل عامتهم معه، فما ندري أين نسلك؟! وإن أقمنا نأكل رؤوس أموالنا، ونحن في دارنا هذه مالنا فيها بقاء، وإنما نزلناها على التجارة إلى الشام في الصيف وإلى الحبشة في الشتاء"[٦] .
وهنا يتقدم رفعة بن الأسود [٧] ليدل صفوان بن أمية على رجل يسلك به طريق العراق إلى الشام على أن هذا الطريق أطول من الطريق الأول، وأشق مسلكا، ولكن لا بد منه، لأن الأول قد سيطر عليه الصحابة، وأضحى سلوكه غير مأمون على تجارة قريش...
وكان هذا الرجل فرات بن حيان من بني بكر بن وائل، فاستأجرته قريش، وجهزته عيراً عظيمة، خرج معها - فيمن خرج - أبو سفيان بن حرب... وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخروج هذه العير، فبعث زيد بن حارثة في مائة راكب ليعترضها [٨]
فأدركها على ماء في نجد يدعى (القردة) قريب من الربذة، ففر الرجال الذين كانوا يحرسون العير واستاقها زيد رضي الله عنه وأسر دليلها فرات بن حيان، وكان أسره من حسن حظه، لأنه أسلم وحسن إسلامه.
ثم خمس الرسول صلى الله عليه وسلم هذه العير، فبلغ خمسها خمسة وعشرين ألفاً.
وكانت غزوة القردة هذه بعد بدر بستة أشهر [٩] .
وهكذا نجح المسلمون في ضرب حصار اقتصادي على قريش، مما سيكون له أثره في إضعافها كقوة كبيرة تقف بعناد وإصرار على رأس قوى الشرك العربية المناوئة للدعوة.