وقد يعترض على هذا الرأي بغزوة أحد، وأقول في الجواب عن هذا الاعتراض: إن غزوة أحد ليست في حقيقتها - سوى مد أعقبه جزر ضمن الاتجاه العام المنحد المذكور، وهي بالنسبة إلى قريش إخفاق عسكري محقق [١٣] أو هي على أحسن تقدير نصر جزئي أطاحت به هزيمتان: أحدهما في بداية المعركة، والأخرى عقب حمراء الأسد، حين بلغهم مخرج النبي صلى الله عليه وسلم، ففت ذلك في أعضادهم وكسرهم، وتمادوا في الانسحاب إلى مكة، وقد كانوا أرادوا الرجوع إلى المدينة لاستئصال شأفة الإسلام والمسلمين [١٤] ، وسيأتي تفصيل ذلك في حينه إن شاء الله.
محاولة:
لم تستسلم قريش لما حل بها نتيجة وقعة بدر، وليس من المتوقع أن تستسلم وهي راس القبائل العربية، وإمامتها في مناوءة (دعوة الحق) ، ولا بُد لها من أن تحاول أعمالا تشفي بهذه الأعمال غيظها وتسترد بها شيئاً من قيمتها التي تزلزلت في نظر القبائل العربية.
ومن ثم نذر أبو سفيان - ألا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو النبي صلى الله عليه وسلم وينتقم لما أصابه في بدر، ويسترد اعتباره في دنيا القبائل العربية. وقد استطاع أن يجهز جيشاً قوامه مائتا فارس، وتوجه به نحو المدينة، ونزل إلى جبل يقال له (نيب) يبعد عنها نحواً من بريد ٢٢,١٧٦كم [١٥] ثم خرج من الليل واتصل بسلاّم بن مشْكل سيد من سادات بني النضير، وتدارسا الموقف العام إزاء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتذاكرا فيما يجب عمله للقضاء على دعوة الحق، وفي آخر الليل رجع إلى جيشه، وبعث رجالاً إلى المدينة، فأتوا ناحية تسمى (العريض) فحرقوا نخلاً، وأصابوا رجلاً من الأنصار في حرث له هو وحليفه فقتلوهما، ... وبعد ذلك انصرف أبو سفيان بمن معه راجعاً إلى مكة.