علم الرسول صلى الله عليه وسلم بهؤلاء، فخرج في أثرهم، ولكنهم امعنوا في الغوار، حتى أنهم اضطروا إلى إلقاء أزوادهم تخففاً، والتماساً للنجاة... وطاردهم المسلمون إلى قرقرة الكدر فلم يظفروا هم، لمبالغتهم في الهرب، وكان أكثر ما اطرحوه من أزوادهم السويق، وقد أصاب المسلمون منه شيئاً كثيراً وسميت هذه الغزوة (غزوة السويق) لكثرة ما طرح الكفار منه وهم فارون أمام جيش النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد كانت هذه الغزوة لخمس خلون من ذي الحجة، أي بعد بدر بشهرين وأيام.
وأنت ترى أن أبا سفيان أخفق في تحقيق هدفه، فهو لم يستطع أن يقوم بأي عمل يعتبر شيئاً إزاء ما أصاب قومه في بدر، وجل ما هناك أن جيشه في غزاته هذه أغار إغارة اللصوص وفر فرار الجبناء فلم يشف غيظا، ولم يستعد اعتبارا، ولم يغسل عاراً، بل لعله قد جدده بغواره وأكده.
غزوة أحد:
إن غزوة السويق - كما عرفنا - لم تجد على قريش شيئاً، وأنى لها أن تجدي؟!
لذلك بقيت قريش تجتر أحقادها على المسلمين، وتتذكر كما أصابها في بدر، وقد أذكت هذه الأحقاد، والهبت هذه الذكريات أمور منها إخفاقها في غزوة السويق،
واستياق زيد بن حارثة عيرهم في غزوة القردة، وقد سلفت الإشارة إليها، زد على ذلك تحريض كعب بن الأشرف المرابي اليهودي لهم وبكاؤه قتلاهم [١٦] ، وقد اجتمع في أنفسهم من هذه الأسباب ما حفزهم إلى غزو المدينة، فاستفرغوا وسعهم في حشد جيش قوامه ثلاثة آلاف، منهم ومن أحابيشهم، ومن أطاعهم من قبائل كنانة، وأهل تهامة [١٧] ثم قصدوا المدينة وكانت بينهم وبين المسلمين معركة أحد المشهورة، غير أن عاقبتها كانت بالنسبة لقريش - كما قلنا آنفاً - إخفاقاً عسكريا، أو كانت على أحسن تقدير نصراً جزئياً بين هزيمتين وسيأتي الكلام مستوفى - إن شاء الله - في هذه الغزوة في حينه.