كان بنو قينقاع أشجع يهود المدينة، وأشدهم بأساً، وكانوا صاغة وتجاراً [٣٦] يقيمون داخل المدينة على مقربة من وادي بطحان.
ولما كانت غزوة بدر، أظهروا البغضاء والحسد، والتحدي للمسلمين، والجرأة على الله ورسوله والشقاق لهما يدل على ذلك أنهم لما جمعهم الرسول صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بدر في سوقهم وقال لهم:"يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة وأسلموا فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم، وعهد الله إليكم"، قالوا له:"يا محمد إنك ترى أنا قومك! لا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة، إنا والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس". فأنزل الله تعالى فيهم قوله:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ، قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الأَبْصَارِ}[٣٧] .
وإلى هنا نرى أن اليهود قد جاءوا بكثير من الأعمال التي من شانها أن تجعل تأديبهم أمراً ضروريا لا مناص منه، وتهيئ الجو للإيقاع بهم، وفي هذه الظروف المؤذنة بالانفجار جاءت حادثة المرأة المسلمة التي أساء إليها الصائغ اليهودي، وشرذمة من قومه، فكانت هذه الحادثة بمنزلة عود الثقاب الذي فجر الموقف...