للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبعد هذه الحادثة أنزل الله تعالى قوله: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [٣٨] فقصدهم النبي عليه الصلاة والسلام وحاصرهم خمسة عشر يوماً حتى قذف الله في قلوبهم الرعب، فنزلوا على حكمه صلى الله عليه وسلم فشفع فيهم عبد الله بن أبي بن سلول، وبإلحاح كبير شفعه فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقن دماءهم [٣٩] وكان حكمه النهائي فيهم أن يجلوا عن المدينة ولهم النساء والذرية ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال والسلام ولحقوا بأذرعات من أرض الشام، فما لبثوا فيها إلا يسيراً ثم هلكوا [٤٠] .

وكانت هذه الغزوة في النصف من شوال سنة اثنتين من الهجرة.

هذه لمحة خاطفة عن آثار غزوة بدر في اليهود في المدينة، وقد كانت جزاء وفاقاً لخيانتهم العهود، وتآمرهم على الدعوة، ومحاولتهم - أبداً - الوقوف في سبيلها، ومشاقتهم الله ورسوله... على أن كل ما قد رأينا لم ينههم عن غيهم... وسيبقون على ما هم عليه من الطباع والأعمال حتى تحيق بهم سيئاتهم، ويجنوا على أنفسهم، فيخرج بنو النضير من المدينة بعد وقعة أحد، ويقضي على بني قريظة القضاء العادل الرادع بعد وقعة الأحزاب، بل حتى تنتهي وجودهم في الحجاز كله، وهذه قصة يهود عبر تاريخهم كله مع شعوب العالم كافة، استغلال هذه الشعوب، وتآمرهم عليها وجحودهم لمعروفها... وأخيراً تتنبه هذه الشعوب لخطرهم، فتنتفض في وجوههم، وتأخذهم بما جنت أيديهم...

ثالثاً: آثار بدر في القبائل العربية:

كانت القبائل العربية قبل بدر لا تعير المسلمين الاهتمام الذي يستحقونه، لقد كانت تنظر إليهم - بوجه عام - كأناس مستضعفين يهاجرون من بلادهم، ويلتمسون لهم ملجأ في يثرب، أما بعد بدر، وبعد أن أوقعوا بقريش، فقد أدركت أنهم صاروا قوة خطيرة، يجب ألا يتغاضى عنها، بل يجب أن يقضى عليها.