وقد أذكى هذا الشعور لدى هذه القبائل ما اعتادته من احترام قريش، أهل الحرم، وسدنة البيت وصريح ولد إسماعيل عليه السلام، وكونها تجتمع وإياهم على نهج ديني واحد...
وهناك عامل آخر شارك في إذكاء هذا الشعور، وهو ما كانت تجنيه هذه القبائل أو بعضها من فوائد مادية من جراء مرور قوافل قريش التجارية في أراضيها، وهذه الفوائد كانت تأتي عن طريق نظام (الإيلاف)[٤١] وعن طريق اشتغال رجال منها لحساب قريش، حتى إن منهم من كانوا عيوناً وجواسيس لها، كمجدي بن عمرو الجهني الذي كان عيناً لأبي سفيان [٤٢] وعن طرق أخرى أيضاً.
وبانتصار المسلمين في بدر أضحت هذه القبائل - فيما تراءى لها - مهددة بأخطار جسيمة اقتصادية، ودينية، وسياسية، ومن ثم جعلت تتحفز للقضاء على الدعوة وازدهارها، مما جر على المسلمين حرجاً غير قليل، غير أنهم ارتفعوا إلى مستوى الظروف المواجهة، وقاموا بعدد من الغزوات التلاحقية، يفاجئون بها القبائل قبل أن تتحرك نحوهم، حتى ردوها إلى الصواب كارهة أو طائعة...
ومن هذه الغزوات ما يلي:
(١) غزوة بني سليم.
وكانت هذه الغزوة بعد قدوم الرسول صلى الله عليه وسلم من بدر بسبع ليال، وقد أراد بها النبي صلى الله عليه وسلم بني سليم، وسار حتى نزل ماء من مياههم يقال له الكدر، فأقام عليه ثلاث ليال، ثم رجع إلى المدينة، ولم يلق كيدا [٤٣] ولما غادر الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة استعمل عليها سباع بن عرفطة الغفاري أو عبد الله بن أم مكتوم.