وهكذا نلاحظ أن المسلمين قد كانوا بالمرصاد لجميع القبائل التي همت بإيذائهم أو الوقوف في وجه الدعوة، فباغتوها، وحالوا بينها وبين ما تريد من الشر، وبرهنوا على أنهم - أبداً - في مستوى الظروف مهما اختلفت، ومهما تكالب عليهم الأعداء.
صدى بدر:
لقد تجاوز صدى بدر مداها الكافي، كما تجاوز مداها الزمني، لقد بلغ صداها أرض الحبشة، وغيرها من الدول المجاورة، وتغلغل فيما تلاها من القرون..
أخرج ابن كثير في البداية والنهاية [٤٧] نقلا عن الحفاظ البيهقي أن النجاشي أرسل ذات يوم إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه، فدخلوا عليه وهو في بيت عليه خلقان - ثياب - جالس على التراب، فأشفقوا منه حين رأوه على تلك الحال، فلما أن رأى ما في وجوههم قال لهم: إني أبشركم بما يسركم، أنه جاءني من نحو أرضكم عين لي فأخبرني أن الله قد نصر نبيه صلى الله عليه وسلم وأهلك عدوه. وأسر فلان وفلان، وقتل فلان وفلان، التقوا بواد يقال له بدر، كثير الأراك، كأني أنظر إليه، كنت أرعى لسيدي رجل من بني ضمره إبله، فقال له جعفر: ما بالك جالس (كذا) على التراب ليس تحتك بساط، وعليك هذه أخلاق قال إنا نجد فيما أنزل الله على عيسى أن حقا على عباد الله أن يحدثوا لله تواضعا عندما يحدث لهم من نعمه، فلما أحدث الله لي نصر نبيه صلى الله عليه وسلم، أحدنت له هذا التواضع.
ولا شك أن الدول المجاورة الأخرى كالروم وفارس كان لها - أيضاً - عيون في بلاد العرب، ومنها الحجاز، تنقل إليها أخبارها، وليس ذلك بالمستغرب نظراً لما كان لهذه الدول من مصالح في جزيرة العرب...