أما كتب اللغة العربية فكانت كالتاجر الغني اليقظ الذي جمع في متجره لكل صنف عديد الأنواع والألوان والمقاسات ومختف الخامات بحيث لا يحتاج المشتري إلى سواه فقد حشدت جيشاً من المعاني التي يصدق عليها أنها مسميات لاسم الدِّين (بكسر الدال) ليختار القارئ من بينها ما يوصله إلى ضالته المنشودة وهدفه المطلوب.
وإذاً فلا نطالب كتب اللغة بما هو فوق اختصاصها وجزى الله من ألفوها خير الجزاء، وإنما نطلب منها الدلالة على الطريق الموصل لنسلكه مستعملين ما وهبنا الله من عقل عسانا نصل إلى المرغوب.
وكلمة الدين التي نحن بصدد تعريفها ـ تطلق ـ في كتب اللغة على ما يلي:
ونستطيع أن نرجع هذه المعاني كلها إلى ثلاثة أصول يرتبط بعضها ببعض بأوثق روابط المودة والتلازم، فإن كلمة (دان) وردت في كلام العرب إما متعدية بنفسها وإما متعدية بحرف الجر، وحرف الجر هو إما اللام وإما الباء:
١ـ فإذا تعدت بنفسها إلى مفعولها كما يقال: دانه، يدينه، ديناً.. فيكون المراد أن الأول أعلى من الثاني تسلط عليه وقهره وأذله وحاسبه وجازاه.. وملكه..الخ.. ما يشعر بغلبة الأول وتسلطه على الثاني وسلطانه عليه ومنه قوله تعالى:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} .
٢ـ وإذا تعدت باللام كما يقال:(دانه فدان له) فيكون مطاعاً للمعنى الأول ونلحظ فيه الانقياد والخضوع من المفعول للفاعل.
٣ـ وإذا تعدت بالباء كما يقال:(دان بكذا) فيكون المعنى اتخذ الفاعل ذلك الشيء مذهباً وعقيدة ومنهجاً ودستوراً يلتزم به ويسير على نهجه.