من خزي قومه، وهو كعب بن الأشرف، فشد الرحال إلى مكة، يثير في أهلها حمية الجاهلية لحرب الرسول صلى الله عليه وسلم، واستطاع بفصاحته تحريك كوامن الصدور، واختار بالطبع الضرب على وتر بدر، ومشى ينوح في جنبات مكة بهذا البيت:-
طحَنَتْ رحى بدر لمهلك أهله
ولمثل بدر تَسْتهل وتدمَعُ
ويؤكد للمشركين أنهم أهدى من محمد سبيلا وهو عدو لهم، ولكن عداوته للرسول أشد، فأنزل الله ما يفضح هذا الشرير بقوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} ، لهذا ولغيره أهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دمه، وتقدم محمد بن مسلمة رضي الله عنه لتنفيذ حكم الإعدام فيه، وفصل رأس التنين اللعين في حصنه بما هو مفصل في كتب السيرة، وشبيه بطريقة كعب كان من امرأة هي عصماء الخطمية، وكانت أخطر من كعب في تأثيرها على الرجال باعتبارها امرأة، فاختار لها النبي صلى الله عليه وسلم عمير ابنَ عدي، وهنا العجب، لأن عميراً رضي الله كان ضريراً، ولكن الرسول كان يعلم أنها لا تعمى الأبصار مع نور البصائر، فيذهب عمير ويدخل على عصماء في الظلام، يقوده نور قلبه إلى حيث تنام، فيكتم بشماله فمها ويغمد بيمينه السيف في صدرها حتى نفذ من ظهرها، وعاد إلى المدينة في صبح صلاه خلف الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبره، فسر منه الرسول وقال عنها:"لا ينتطح فيها عنزان "، أي لا يختلف فيها اثنان بأن دمها هدر، وأيضاً كان من آثار بدر أن أبا سفيان قال: النساء والطيب عليّ حرام حتى أثأر من محمد، وكان ثأراً مضحكاً حقاً، فقد جاء من مكة ليكتفي بالوقوف بعيداً هو ومن معه بثلاثة أميال من المدينة، وبإحساس الخائف أحرق بعض نخيلات،