السادة الفضلاء: عودوا إلى البداية حيث علم النبي صلى الله عليه وسلم أن شراً يدبر في مكة، فأعد الأمر على عجل، وأصبح المهاجرون والأنصار في أعلى درجات الاستنفار، لا يفارقهم السلاح حتى وهم في الصلاة، وتترامى الأنباء سافلة وضيعة عن الجيش الزاحف نحو المدينة، فكيف بإحساسكم الآن إذا سمعتم ما سمعه النبي صلى الله عليه وسلم، من أن هنداً اقترحت إمعاناً في حقدها على الرسول نبش قبر أمه أثناء مرورهم عليه قائلة: لو بحثتم قبر أم محمد، فإن أسر منكم أحد فديتم كل إنسان بإرْب من آرابها -أي بجزء من عظامها- ورأي هند له في القوم قدره، ولكن الله تعالى دفع عن نبيه حزناً عظيماً لو تم هذا الأمر البشع، فصرفهم عن ذلك حين قالوا لهند: لو فعلنا لفعلوا بموتانا مثل هذا، فانصرف النبي صلوات الله عليه للإعداد للقاء الأعداء، وعرض خطته على أصحابه بالتدرج بالمدينة قائلاً:"فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا، فإن أقاموا أقاموا بشر مُقام، وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها وزادوا فامكثوا، فإن دخل القوم الأزقة قاتلناهم ورُمُوا من فوق البيوت"وذكروا أن ذلك تأويل لرؤيا رآها صلى الله عليه وسلم، وبالإيمان المتحمس رأوا الخروج على غير ما رأى الرسول، وذلك حتى في الاصطلاح الحربي غير مألوف، ولكن المقطوع به أنهم لم يقصدوا العصيان ولا مجرد التردد بدليل أنهم طلبوا أكثر من ذلك، طلبوا الخروج إلى العراء ليلقوا بأنفسهم مباشرة في أحضان الموت، فلا احتماء وراء جدر ولا حصون، وإنما دفعهم التغالي في إرضاء الله ورسوله، إلى طلب التعجيل بلقاء العدو حيث يوجد، لكن الأحسن بلا شك هو الطاعة المطلقة للقاعد وخطة الرسول صلى الله عليه وسلم واضحة، فالمدينة كلها ستشترك في القتال رجالا ونساء وصبيانا، الرجال من تحت، والنساء والصبيان من فوق، فتصبح المدينة مصيدة عظيمة لقطعان الجرذان، وهذه الخطة يسمونها الآن نظرية حرب الشوارع، وآخر ما نُفذت كان