واختار شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية رحمه الله تعالى أنه لا يقع بهذه الألفاظ كلها إلا طلقة واحدة كما لو طلقها بثلاث بكلمة واحدة واحتج على ذلك بحديث ابن عباس رضي الله عنهما المخرج في صحيح مسلم ولفظه كان الطلاق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر رضي الله عنهم طلاق الثلاث واحدة فقال عمر رضي الله عنه:"إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم, فأمضاه عليهم"، وله ألفاظ آخر عند مسلم وغيره. وقد بسط شيخ الإسلام بن تيمية رحمة الله عليه حكم هذه المسألة في مؤلفاته ومن أجمع ذلك ما نقله عنه الشيخ عبد الرحمن بن قاسم في مجموع الفتاوى ويرى رحمه الله أن الثانية لا تقع على المرأة إلا إذا كان إيقاعها بعد نكاح أو رجعة وهكذا الثالثة ولا أعلم في ذلك دليلا واضحا يعتمد عليه إلا إطلاق حديث ابن عباس المذكور. وحديثه الآخر في قصة أبي ركانة وليسا صريحين في الموضوع والذي أفتي به من نحو ثلاثين عاما أو أكثر أن الثلاث لا يقع بها إلا واحدة إذا أوقعها الزوج بكلمة واحدة لأن ذلك أضيق ما يحمل حديثا ابن عباس المذكوران آنفاً وهكذا الكنايات كلها لا يقع بها إلا واحدة في أصح الأقوال إذا أراد بها الزوج الطلاق لأنها أضعف من إيقاع الطلقات الثلاث بلفظ واحد فإذا جاز اعتبار ذلك طلقة واحدة وجب أن تكون الكناية معتبرة طلقة واحدة من باب أولى ما لم يكررها.
وقد بسط الكلام في هذه المسألة أيضا العلامة ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين وزاد المعاد وإغاثة اللهفان وهذا كله إذا كان الزوج حين إيقاع الطلاق عاقلا مختارا أما المكره وزائل العقل وشديد الغضب الذي قد غير الغضب شعوره فإن طلاقهم لا يقع كما هو معلوم.
أما إذا كان الغضب شديدا ولكن لم يختل معه عقله ففي وقوع الطلاق منه والحال ما ذكر خلاف مشهور بين أهل العلم.