وادعاء المستشرقين أن (الوهابية) مهدت الطريق لهذه (العلمانية) هو محض افتراء وتجن على دعوة الحق. والوهابية ليست فرقة لها دعوتها الخاصة، أو مذهبا جديداً في الإسلام، وإنما هي دعوة مخلصة واعية أمينة إلى الإسلام، وتطبيقه عقيدة وشريعة تطبيقاً سليماً وشاملا لكل نواحي الحياة، وفق ما جاء به الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح.
وإن كان المقصود من (العلمانية) هو النهضة العلمية التي ظهرت في أوربا واتخذت منها طريقاً لبناء حضارتها. فالإسلام في كل العصور (وليس في العصور الوسطي فقط) ، يحث على العلم ويرفع من شأن العلماء النظريين والتجريبيين، ويدعو إلى العلم التجريبي اكتشافاً لسنن الله في الكون وآياته في الخلق، وانتفاعا بنعمة التسخير، وهو يحض المؤمنين على أن يتفوقوا في العلوم على غيرها تحقيقاً لعزتهم وحتى تكون لهم الكلمة العليا ولا يكون لغيرهم عليهم سبيل.
ولكن الإسلام لا يدعو إلى العلم النظري والتجريبي دعوة مطلقة بل دعوة موجهة وفق منهجه وفي إطار مبادئه وأحكامه وأهدافه، حتى يكون العلم سبيلاً لبناء الحضارات المتكاملة معنويا ومادياً معا، ووسيلة للتقدم وتيسير حياة الناس، وحل مشكلاتهم وإسعادهم في دنياهم وأخراهم.
وعلى هذا لا يقال: إن الإسلام (وهو دعوة العلم والإيمان) ، قد تضمن بعض جوانب تلك (العلمانية) الأوربية لأنه أشمل منها ولأنها انحرفت عن جادتها وابتعدت عن غايتها واتخذت لها طريقاً مادياً لا يقره الإسلام.
وإن كان الإسلام في دعوته العلمية لا يرفض الانتفاع المتبصر بما استخدمه الآخرون وتوصلوا إليه في ميادين العلم ومعامل التجارب.