للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أم تراك يا صديقي تريد أن ترى بهما بنيك وبناتك، لتصل حياتهم بحياتك، ولتملأ بهم عينيك قبل مماتك، ولكنهم - وا أسفاه لم يستطيعوا أن يحيوا بجوارك! ضاقت عليهم الأرض حواليك بما رحبت، لم يسمح لهم أن يعيشوا أحرارا، ولا أن يقولوا كلمة الحق جهارا، ففروا إلى بلاد الأجانب فرار العصافير عن أعشاشها، وقد جفّلها الصيادون، وروّعها القناصون، فأصبحت لا تراهم إلا رسائل، ولا تعرفهم إلا ذكريات.

نعم، لقد بقيت في عقر بيتك ابنتك الكبرى نائلة، ولكن ماذا تريد أن ترى فيها، لقد ذبل على وجنتيها الشباب الوريق، ومات على أجفانها معاني البر والعطف والرحمة، ألبستها ثياب الحقد والسخط والعقوق، فهي لا تنظر إليك إلا نظرات المظلوم إلى ظالمه، ولا تلحظك إلا لحظ المحروم ذوي النعمة.

كانت في ميعة الصبا ورونق الشباب، وقد وفد إليها كثير من الخطاب وفيهم قليل ممن ترضى دينهم والخلق، ولكنك أغليت المهر وشططت في الشرط، وابتغيت بزواجها عرض الدنيا وعلواً في الأرض، فأنت لا تريد إلا صهرا تفاخر بوظيفته الكبرى في الدولة، أو تباهي بثرائه العريض بين الناس، أو تخال مهنته كنزا لا ينفد، وأراد الله ما لم ترد، أعرضت عمن كان يريدك، وأعرض عنك من كنت تريد، وبقيت ابنتك عانسا تسأل الله غدوّا وعشيّا أن يعجل بك إلى الدار الآخرة، لعلها تأخذ نصيبها من الدنيا.

أم ماذا يا صديقي؟! أتريد أن تقرأ بهما صحفا ومجلات في بلاد عربية تطبع ثم تنشر على القارئين الغافلين وتوزع؟!

سوف تعشى عيناك وأنت تبحث فيها عن كلمة الصدق والرأي الحق بين ركام كلام ينطق بالحقد، وتراب أحاديث تثيره الرشوة، وضلال أقلام يملي عليها الباطل.