ويستمر العجز البشري واضحا ومنطلقا في مداه، فالذين يحلمون بالأطفال قد يعيشون عقما، والذين لا يريدون أطفالا قد يولد لهم توائم. ومن أراد الذكور تأتيهم الإناث.. ومن يريدون الإناث تأتيهم الذكور. والمريض الذي تجمعوا حوله يعدون ساعاته قد ينشط ويعمر، والقوي الوثاب قد يسقط فلا ينهض، والمتخلف الذي سبق، والسابق الذي تخلف، والتلميذ الذي تحول أستاذا لأستاذه، والأستاذ الذي تتلمذ على تلميذه، والصفقة التي توقع صاحبها أن تكون مصدر الغني والثراء، فكانت باب الفقر والخراب، والتجارة البائرة التي تحولت إلى صفقة رابحة فأعزت وأغنت صاحبها. والصديق الذي أمنته فخان، والعدو الذي خفته فكان أمنا وسلاما..
والجبابرة الذي صرعوا بأتفه الأسباب والمستضعفين الذين اضطهدوا فورثوا الأرض وعمروها. والجميلة التي شقيت بجمالها، والقبيحة التي فتحت لها الآفاق صور لا حصر لها ولا عد كلها تثبت العجز المطلق للمخلوق حتى فيما يظن أنه مصدر لقوته واعتداده. وفي الوقت ذاته تثبت القدرة المطلقة للواحد الخلاق سواء فيما يدخل في كسبنا أو لا يدخل في قدرتنا.
ومن هنا ندرك أن أمر الهداية وهي شيء أعلى وأجل من الصفات البدنية والخصائص الجسدية ومن العوارض الدنيوية والمظاهر المعيشية متروكة لله وحده لا شريك له ولا معين. وحينما نؤمر بالدعوة إنما ننفذ الأمر فقط والنتيجة لله سبحانه وتعالى، وهو الذي يهدي من يشاء. وهذا هو الخطاب الذي وجهه الله إلى خير الدعاة وأفضل الرسل قائلا له:{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} .
ولقد كان عليه الصلاة والسلام في بداية الدعوة حريصا كل الحرص على إيمان قريش واستجابتها له، ودخول نفر من آله إلى الدعوة ولكن ذلك لم يتم إلا عندما أراد ذلك ولمن أراد الله له ذلك!..