ولكنه اشتهر رضوان الله عليه بالحديث والفقه في الدين والفتوى في نوازل المسلمين، فلم تجد معرفته بالتأويل مكانا للشهرة بين تلك المعارف الجليلة، لقد جد سعيد في مواصلة العلم وطلب السنة والفقه حتى صار أعلم الناس بأقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبار الصحابة، ويقول في ذلك تحدثا بنعمة ربه ومن حق العالم ذلك حتى يكون موضع الثقة بين المتعلمين وأهلا للأخذ عنه بينهم "ما بقي أحد أعلم بكل قضاء قضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان مني"وكأنه لم يذكر عليا مع أنه كانت له أقضية جليلة وفتاوى كريمة يحفظها ابن عباس وغيره، لأن معارف الإمام علي رضي الله عنه لم تنتشر بالمدينة كما نشر غيرها من معارف الخلفاء الذين أقاموا بالمدينة المنورة حتى ختموا حياتهم المباركة فأخذ الناس عنهم فيها يريدون، ولعل ما يؤكد هذا الخبر ويؤكد هذه الدعوى أن كبار الصحابة وعلى رأسهم الحبر الإسلامي الجليل عبد الله بن عمر كانوا أحيانا يرجعون إليه ويحيلون عليه، نقل ابن حجر في تهذيب التهذيب عن مالك قال: بلغني أن عبد الله بن عمر كان يرسل إلى ابن المسيب يسأله عن بعض شأن عمر وأمره، قال مالك: لم يدرك عمر ولكن لما كبر أكب على المسألة عن شأنه وأمره، أهـ.
فإذا كان عبد الله بن عمر يسأله عن شأن أبيه فما بالك بغيره، ألست ترى معي أن ذلك الرجل كان أعجوبة، ولكن هذا في الحق غير عجيب من شأن رجل كأنه لم يعرف في حياته غير المسجد النبوي للعلم والطاعة سوى ما يباشر به أمر معاشه، على أنه لا يذكر في تاريخ حياته شيء تفصيلي من ذلك أكثر من كلمة عامة إنه كان يتجر في الزيت، ولكن كيف وفي أي وقت وكيف كانت معاملته غير أنهم وصفوه بالتسامح إلى حد كبير كما سيمر بك.