قلت: فهذا الإذن بهذا السياق يدل على تحريم النظر إلى الوجه والكفين لغير الخاطب فإذا كان الوجه والكفان ليستا من العورة كما قال بعض أهل العلم كابن جرير الطبري، وغيره رحمهم الله تعالى فلا يتحقق مفهوم الأمر، أو لا معنى لمفهوم أمره صلى الله عليه وسلم وهذا واضح ظاهر لمن أعطى الفهم الثاقب، والنظر الصحيح، وهناك آراء فقهية كثيرة، تجيز كشف الوجه والكفين، ولا حاجة بنقلها، قالها أصحابها اجتهادا منهم واستنباطا من بعض الأحاديث غفر الله تعالى لهم، وأكرم مثواهم، وجعل الجنة مأواهم وهم مع علمهم وفضلهم قد أخطأوا في الإصابة، فلهم أجر الاجتهاد، وخطؤهم معفو عنهم عند ربهم إن شاء الله تعالى كما صح بذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا اجتهد الحاكم الحديث.
وأما الحديث الذي أخرجه البخاري في الجامع الصحيح في خمسة عشر موضعا وكذا مسلم في العيدين، وأبو داود، والدارمي في سننيهما، والإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح من حديث جابر رضي الله تعالى عنه، قال:"شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم في يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم ذكر الحديث وفيه، ثم مضى إلى النساء، ومعه بلال فأمرهن بتقوى الله تعالى، ووعظهن وحمد الله، وأثنى عليه، وحثهن على طاعته، ثم قال صلى الله عليه وسلم: "تصدقن، فإن أكثركن حطب جهنم"، فقالت امرأة من سفلة النساء سفعاء الخدين: "لم يا رسول الله؟ "قال: "لأنكن ... "ثم ذكر بقية الحديث.
قال بعض أهل العلم: لو كان الوجه من العورة فكيف اطلع بلال رضي الله تعالى عنه على وجهها ثم وصف وجهها في هذا الحديث وكانت زيادة ((سفلة النساء وسفعاء الخدين)) لم يخرجها البخاري في الجامع الصحيح في خمس عشرة موضعا إلا أن مسلما وأبا داود، والدارمي والإمام أحمد في مسنده قد أخرجوها وإسنادها صحيح.