للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولست أسوق قول: ((لاكوست)) هذا للتَّقَوِّي به، فنحن –بحمد الله- في غنى عنه، وأرجو أن يكون إدراكنا لروائع تراثنا، وفضائل رجالنا ذاتيا استقلاليا، وجل ما في الأمر أني سقته لبيان أن عبقرية ابن خلدون قد فرضت نفسها حتى على الباحثين الأجانب، وقادتهم إلى الاعتراف بفضلها وتوجيهها لواحد من عباقرتهم المعدودين...

أما سيد –رحمه الله- فقد أقر ما ذهب إليه ابن خلدون، مضيفا إليه فكرة إتصال التاريخ –إذا فسر على النحو الذي نصه- بناموس الكون ومدارج البشرية، وصيرورته كائنا حيا، ومادة حياة، وقد استقل-رحمه الله- في كتابات أخرى له في الموضوع نفسه برسم منهج متكامل يضع دراسة التاريخ الإسلامي في نصابها الصحيح، ويواجه مواجهة ظافرة مستعلية عبث المستشرقين وأتباعهم في كتابة تاريخنا ودراسته...

ولعلنا بعدما تقدم نستطيع أن نقول في تعريف التاريخ: "إنه علم تبحث فيه الوقائع والكائنات المختلفة التي تحدث على مسرح الحياة بحثا يحدد زمانها، ويبين أسبابها وكيفياتها، ونتائجها، وآثارها في مجرى الحياة والأحياء، بحيث يظهرنا هذا البحث على السنن الله التي لا تحويل لها ولا تبديل، والتي تسير الحياة تسييرا سببيا منظما، خاليا من الاعتباط، حتميا، ولكن في نطاق مشيئة الله تعالى وقدرته، وفي نطاق قضائه وقدره".

هل التاريخ علم؟

قبل الإجابة عن السؤال لابد من بيان المعنى الاصطلاحي ((للعلم)) الذي نورد هذا السؤال بناءًا عليه، إن هذا المعنى يراد به المعرفة التي تقوم على مبادئ كلية ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان، ويمكن الاستشفاف (التنبؤ) على أساسها، كعلم الكمياء، الفيزياء، والرياضيات...

ويذهب فريق من الباحثين إلى أن التاريخ هو علم بهذا المعنى، منهم المؤرخ الفرنسي

foustel de coulange الذي يقول: "إن التاريخ ليس فنا ولكنه علم محض" [١٤] .