ويقول هؤلاء إن للتاريخ قواعد ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان [١٥] ، ويذكرون منها مايلي:
أ-إن العبقرية لا تظهر إلا إذا توفرت لها ظروف ملائمة، فعندهم أن هذه القاعدة تحفظ بصحتها في كل زمان ومكان، فعمر بن الخطاب –مثلا- لولا الظروف التي هيأها ظهورها الإسلام لما كان بالإمكان أن يكون عمر الذي نعرفه، جل ما هنالك، أنه كان من الممكن أن يكون رجلا كبيرا من رجالات قريش، وكذلك سيف الله خالد بن الوليد- رحمه الله- لولا الظروف المواتية التي هيأها الإسلام، لما أمكن أن يكون أكثر من فارس بارز بين فرسان قريش أو فرسان العرب، فهذه القاعدة- عندهم- تنطبق على كل عبقرية لمعت في الشرق أو في الغرب، وعندي أنه لابد من تخصيص هذه القاعدة بغير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فإنهم لا يخضعون لهذه القاعدة، وإنما يقوم أمرهم على ما يؤيدهم به الله تعالى من حق، وعون، وإعجاز...
ب- إن تعليم الشعوب والعناية بشؤونها الحيوية إذا سارا معا جنبا.. هذه الشعوب الهزات العنيفة، والقلاقل والثورات، وأنالها حياة الاستقرار والرفاهية، ووضعاها على درب التقدم والإسهام في تصحيح مسيرة البشرية وإسعادها، وأما إذا عُلمت دونما عناية جدية بشؤونها كان حدوث هذه الهزات في حياتها أمرا حتميا...
ونستطيع أن نجد لهذه القاعدة تطبيقات كثيرة على مدى حياتنا الإسلامية، أذكر منها تطبيقين اثنين، الأول في عهد عمر بن عبد العزيز، لقد نشر العلم والتوعية والهداية في أرجاء بلاد الخلافة، وعُني في الوقت نفسه بشؤون الأمة، فأخلدت إلى السكينة، وجعل الخوارج يجنحون إلى الهدوء، ولو قد طال عمره رحمه الله -لنعمت البلاد والعباد باطمئنان واستقرار تغير منهما مجرى الحياة الإسلامية، بل مجرى حياة العالم كله.. ولنسأ –والأمر بيد الله- في عمر الدولة الأموية ذاتها.