والتطبيق الثاني هو ما نلاحظه في إحدى الدول الإسلامية المعاصرة، فبينما تبنى في ربوعها المدارس، وتشاد المعاهد، وتؤسس الجامعات، وتتزايد المشروعات التي تعنى بشؤون الشعب، فمن مشروعات زراعية إلى مشروعات صناعية، ومن برامج إسكانية إلى أخرى تتعلق بالتوعية الإسلامية، وتعمل على تنظيم النهضة، وضبط مسيرتها، وبوتقتها وحمايتها من الآفات المضيعة المعرفة كالانحراف والجنوح.
وهذا في نظر علم التاريخ من الرشاد في السياسة، والله هو المسؤول أن يوفق إلى مزيد من وضوح الرؤية، وسداد الخطى، على أنه من الملاحظ أن الدول المعاصرة كثيرا ما تعمل على التسابق في هذه الحلبة نتيجة القيمة المتزايدة التي تحتلها الشعوب على نحو ما في برامج الحكام العقلاء مسلمين كانوا أو غير مسلمين.
ويبدو أن القائلين بأن التاريخ ((علم محض)) كالفيزياء والكيمياء، والرياضيات قد بالغوا، إنه لما يبلغ هذه المنزلة، وربما بلغها يوم تنضج العلوم العديدة التي يعتمد عليها، والتي يسمونها ((بالعلوم المساعدة)) كاللغات، وفقهها، وعلم قراءة الخطوط، وعلم النميات (علم النقود والمسكوكات) والاقتصاد، والآدب، وعلم النفس [١٦] ...
ويوم تتهيأ الشروط اللازمة للهيمنة على اكتشاف سنته (قوانينه) ونواميسه... على أنه في وضعه الراهن له من خصائص ((العلم)) إمكان الاستشفاف به أو التنبؤ به كما يقال، وإلى ذلك يشير ابن الأثير [١٧](٥٥٥-٦٣٠هـ-١١٦٠-١٢٣٢مـ) رحمه الله بقوله:
"ومنها (أي من فوائد علم التاريخ) مايحصل للإنسان من التجارب، والمعرفة بالحوادث، وما تصير إليه عواقبها.
وأيًّا ما كان الأمر فلعلنا نستطيع أن نقول أن التاريخ –كما هو الآن- هو علم باعتبارين على الأقل:
الأول: كون وقائعه تحدث حسب سنن ((إلهية ثابتة)) ، وإن لم نحط علما بالكثير منها كما أحطنا بسنن العلوم الأخرى، كالفيزياء، والكيمياء، والرياضيات.