الثاني: كونه ذا منهج للبحث يسهم في تحرير مسائله، ونقدها، وتخليصها من الشوائب، وخلاصة هذا المنهج ما يلي:
١-جمع مواد البحث من روايات ونقول وأخبار.
٢-نقدها سندا ومضمونا، وإسقاط ما لا يثبت على هذا النقد.
٣-دراسة الباقي وتفهمه وتحليله.
٤-تنظيمه وتنسيقه، ومقارنة بعضه ببعض، وتبين ما بين أجزائه من روابط...
٥-استنتاج النتائج على شكل مبادئ وضوابط.
والخلاصة أن التاريخ لما يبلغ مرتبة العلوم البحتة، بالرغم من تقدم الدراسات التاريخية تقدما كبيرا، وما تزال آخذة بالتقدم، وربما أصبح التاريخ علما محضا حين تنضج- كما قلنا- علومه المساعدة، ويوم تتهيأ الشروط اللازمة للهيمنة على اكتشاف سننه ونواميسه، ولعلنا ننصف التاريخ في مرحلته الحالية إذا قلنا عنه:
إنه اليوم علم بحسب الاعتبارين السابقين على الأقل، كما أنه-في الوقت نفسه- حكمة في فحواه، أدب في طريقة عرضه وأدائه، وفي تأثيره وإمتاعه.
فوائد علم التاريخ:
لهذا العلم فوائد جوهرية منها ما يلي:
أولا –إنه يغذي العقل، وينمي الفكر، ويخصب التجارب، بحيث يكون من عرفه كمن عاش الدهر كله، وجرب الأمور بأسرها، وباشر بنفسه كل ما باشر السابقون من الأحوال، ومن هنا نرى عباقرة الحكام في الإسلام، كمعاوية -رضي الله عنه- يعنون بدراسة التاريخ عناية فائقة، فلقد كانت له أوقات معينة من كل ليلة تقرأ عليه فيها أخبار الأمم والدول الماضية، وأخبار سياساتها ومعالجاتها لشؤون الحكم، وكان لديه رجال مختصون بتهيئة هذه المجالس، وما يكون فيها أحاديث...