وأبو جعفر المنصور لما هم بقتل عبد الرحمن بن مسلم (أبو مسلم الخرساني) سقط -كما يقول الجاحظ- بين الاستبداد برأيه، والمشاورة فيه، فأرق في ذلك ليلته، فلما أصبح دعا بإسحق بن مسلم العقيلي وسأله عن خبر الملك الفارسي سابور الأكبر مع أحد كبار رجال دولته، وما أن سمع هذا الخبر التاريخي وتملاه حتى خرج من تردده، وصمم على قتله، لما استبان له من وجه الاتعاظ في تلك السابقة التاريخية [١٨] .
وكان الأشرف برسباي من حكام مصر (٨٢٥-٨٤٦١هـ) يطلب من البدرالعيني أن يقرأ عنده التاريخ، وقد قال الأشرف ما معناه، إنه ما عرف الإسلام إلا منه [١٩] .
وممن كانوا يعنون بدراسة التاريخ السلطان العظيم محمد الفاتح (١٤٥١-١٤٨١مـ) والسلطان المحنك عبد الحميد الثاني، ومن يقرأ مذكراته يَرَ أنه قبل أن يقدم على اتخاذ الخطوة الأخيرة بحق مدحت باشا، قد استعرض بدقة وحصافة السوابق التاريخية كسابقة المنصور مع أبي مسلم، وسابقة الرشيد مع البرامكة... ثم أرسل من بعدُ مدحت باشا إلى قلعة الطائف.
وما يزال رجال السياسة الكبار، ولن يزالوا يعنون بدراسة التاريخ والتعلم منه، حتى قيل عنه:((إنه علم رجل الدولة)) ، ويلاحظ أن المسابقات التي تجريها وزارات الخارجية في العالم لاختبار موظفين دبلومسيين لا يمكن أن تخلو البتة من مادة ((التاريخ)) .
ولا يقتصر الاهتمام به على رجال السياسة، بل يشاركهم في ذلك رجال الدعوة، وكل مشتغل بالأمور التوجيهية من معلمين، وإداريين، وقادة أحزاب، ورؤساء جمعيات.