ومن ثم نرى أئمة الدعوة يستعينون بالتاريخ في تحقيق مهامهم، فها إن شيخ الإسلام أحمد بن تيمية -رحمه الله- يعمد إلى دراسة تاريخ قبة الصخرة حين أراد أن يسوق الأدلة على أنه لا يشرع تعظيم هذه الصخرة، ولا الصلاة عندها [٢٠] ، وكلنا يعلم أن مجدد القرن الثاني عشر محمد عبد الوهاب، وابنه الشيخ عبد الله -تغمدهما الله برحمته- قد ألفا في السيرة كتابين قيمين - والسيرة أصل التاريخ الإسلامي [٢١] ليستعينا بهما في الدعوة إلى استئناف الحياة المسلمة...
وبناء على ذلك نقول: إن التاريخ هو علم رجل الدعوة، ورجل الإدارة، ورجل الإرشاد والتوجيه، كما أنه علم رجل الدولة [٢٢] ...
ثانيا: إن دراسة التاريخ والإطلاع على سير الهداة من أنبياء وأئمة ومصلحين، تشد من عزمات القارئ، وتبعث من همته، وتقذف في نفسه الصبر والقوة والصمود، ولنا أن نستلهم ذلك من قوله تعالى:{وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}[٢٣] .
ثالثا: إن دراسة التاريخ تؤثر تأثيرا بالغا في نظرة الأمم إلى ذاتها، فإذا ما درست أمة من الأمم تاريخها دراسة صحيحة أمكنها أن تعرف نفسها، وأن تدرك ذاتها الحقيقية إدراكا صحيحا، فالأمة الإسلامية مثلا إذا درست تاريخها دراسة سليمة عارية من دس الأعداء، وتحريفهم، وعبثهم في تفسيره، أدركت ذاتها، أو هويتها الإسلامية، وعرفت أنها أمة دعوة، وأنها أمة مسلمة قبل كل شيء، وبعد كل شيء، بل عرفت أنها مسلمة وحسب.
أما إذا تسلطت على دراستها لتاريخها عوامل التشويش، والتحريف، وفسر على غير وجهه، فإنها تضل عن ذاتها، وتضيّع ((هويتها)) وتصبح فكرتها عن نفسها، ونظرتها إلى ذاتها مشوشة، محرفة، مهزوزة مزيفة...