وقد أدرك أعداؤنا أثر تشويش التاريخ الإسلامي في ((ضياع)) الأمة الإسلامية فراحوا يدرسونه دراسة عميقة منظمة، ويتلاعبون في تفسيره، ويعطونه من المفاهيم والعلل والنتائج ما يخدم مآربهم، وما يحرفه عن مواضعه، وقد بلغ الأعداء غايتهم من هذا النحو إلى حدٍ كبير، فأضاع المسلمون هويتهم الإسلامية الأصلية أو كادوا.
يقول أحد الذين درسنا عليهم التاريخ [٢٤] : "ونحن العرب أحق الناس أن نذكر أن التقهقر ابتدأ فينا منذ أن طغت العناصر الأعجمية علينا، وإننا إذا شئنا أن ننهض فيتوجب علينا إزالة هذا العامل بادئ ذي بدء".
وقد غاب عن هذا الأستاذ أن التقهقر ابتدأ فينا منذ أن بدأنا نحن العرب -نضيع هويتنا المسلمة الأصيلة، وجعلنا نغادر الخط النبوي الراشدي في التصور والسلوك، على اختلاف ضروبه في شؤوننا الداخلية والخارجية، ولن نقال من عثارنا حتى نستعيد تلك الهوية، ونراجع ذلك الخط.
ولكن لا تثريب على هذا الأستاذ، فإنه لم يعرف التاريخ إلا من خلال أساتذته في الجامعات الأجنبية، أي لم يعرفه من خلال دراسة موضوعية علمية تتفهم الأشياء بمنطق طبائع الأشياء ذاتها، لا بمنطق مستعار يفرض عليها فرضا، وما أكثر المشتغلين بالتاريخ في أيامنا هذه، ممن يذهبون مذهب أستاذنا هذا؟
وقد ترتب على ضياع الأمة هذا الضياع ضعف بنيتها الإسلامية، وزوال مناعتها إلى حد بعيد، وقد كان إيمانها بدينها، واعتصامها بهويتها الإسلامية مصدرا لقوة بنيتها ومناعتها في الوقت ذاته.
إن الجسم الذي تضعف بنيته، وتزول مناعته يصبح مضيافا للجراثيم، مفتح الأبواب أمام مختلف الأمراض، وهكذا أضحت الأمة الإسلامية مضيافة لمختلف الأفكار، مفتحة الأبواب أمام أي عقيدة، أو فلسفة، أو نزعة...فالقومية، والعرقية، والإقليمية، والعلمانية، والانحلالية، كلها تجد في كيان هذه الأمة مراعي خصبة...