والواجب الآن على العناصر السليمة الواعية من المسلمين أن تجهد في تهيئة الغذاء الصحيح المقوي الذي يرد على الأمة صحتها، ويقوي بنيتها ومناعتها، ويريح عليها هويتها الأصلية المضاعة.
وهذا الغذاء يتمثل في أمور، في مقدمتها دراسة التاريخ الإسلامي دراسة أصلية من خلال العقيدة الإسلامية المستقاة من الكتاب والسنة، ومن واقع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وواقع تاريخ أصحابه، وخلفائه الراشدين، ومن نحا نحوهم دون تأول أو انحراف أو عبث...
رابعا- ومما يدخل في بيان فوائد التاريخ أن الاشتغال به يفضل الاشتغال بكثير من مسائل علم الكلام، والجدل، والفلسفة، التي لا تعود على المسلمين بغير التشكيك وضياع الوقت، وتشويش الأذهان، كالكلام في الزمان هل له ابتداء وانتهاء، وأول وآخر، وهل كان هنالك شيء قبل خلق الله للزمان، وهل الزمان فان أو باق، وأمثال ذلك من المسائل التي لا ينتهي العقل بشأنها إلى مفيد أو مطمئن، وخير من ذلك أن ينصرف المسلم إلى دراسة التاريخ الذي يغذي مداركه، وخصب تجاربه، ويزيد من خبراته، ويصله بسير الأنبياء والصالحين، وعظماء الرجال، مما يأخذ بيده إلىملء الوقت بالأعمال الإيجابية التي تعود على الأمة وأبنائها بالخير في دنياها وآخرتها.
خامسا-إن للتاريخ فائدة إجتماعية أخلاقية، وإن شئت فقل:((فضيلة قضائية)) ذلك أنه ينصف الرجال الذين ظلمهم دهرهم، وتنكر لهم معاصروهم، فأساؤوا القالة فيهم، والحكم عليهم، فيجيء التاريخ بدوره ويعدل فيهم، بإظهار حقيقتهم وتفنيد المظالم التي وقعت عليهم، كما أنه قد يفعل العكس فيميط اللثام عن واقع أشخاص استطاعوا أن يستأثروا بتعظيم معاصريهم، بسبب ما توفر لديهم من مال وسلطان، أو ذكاء استعملوه في غير وجهه.