فها إن أحمد بن تيمية رحمه الله (٦٦١-٧٢٨هـ-١٢٦٣-١٣٢٨مـ) يلاقي ما يلاقي في حياته ويموت حبيسا في قلعة دمشق، ثم ينصفه التاريخ بعد ذلك، ويميط اللثام عن فضائله وخصائصه، فيكون من أكبر الأئمة المقدرين في صفوف المتدينين الدعاة في أيامنا هذه، وها إن السلطان عبد الحميد (١٨٤٢-١٩٤٢) يظلمه عصره حسب خطط أجنبية محكمة، ولكن بدأ التاريخ يميط اللثام عن حقيقته، وشرع يعطيه المكانة التي يستحقها، وفي التاريخ الأفرنسي نجد الملك لويس الخامس عشر (١٧١٠-١٧٧٤مـ) يعيش محفوفا بالتبجيل والتعظيم، مع أنه من أسوأ الحكام الذين عرفتهم فرنسا، غير أن التاريخ كشفه فيما بعد، وحقق ما كان يقوله فيه معاصره الفيلسوف الفرنسي النابغة فولتير (١٦٩٤-١٧٧٨مـ) : ((مجدوه مجدوه فسيلعنه التاريخ)) وقد لعنه فعلا...
سادسا-من فوائد التاريخ أنه يخدم الدين، ألم تر أنه يدلنا كيف يتقلب الزمان بأهله، فكم من دول تظهر ويشتد ساعدها، وأخرى تسقط ويتهاوى بنيانها، وكم من أغنياء يفتقرون، وفقراء يغنون، وأعزة يذلون، وأذلة يعزون، ومدبر الجميع ومحول الأحوال باقٍ لايحول ولا يزول... أليس في ذلك ما يبعث على التوحيد، الاعتراف بوحدانية البارئ عز وجل، وكمال قدرته، وبالغ حكمته وعظيم سلطانه؟!، يقول ابن الساعي المؤرخ المعروف بابن أنجب (١٩٣-٦٧٤هـ -١١٩٧-١٢٧٥مـ) :
إن في تدبر مجاري الأقدار، وتقلب الأدوار، واختلاف الليل والنهار، وتوالي الأمم وتعاقبها، وتداول الدول وتناوبها، عظة للمتقين، وتنبيها للغافلين، قال تعالى:{وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} ولو لم يكن في ذلك إلا ما ينتفع به المعتبر، من قلة الثقة بالدنيا الفانية، وكثرة الرغبة في الآخرة الباقية لكفى ما تتوجه إليه البصيرة من جميل الأفعال، وتحث عليه من صالح الأعمال.