ويذهب الحافظ السخاوي في بيان قيمة التاريخ، وشرح فوائده إلى أنه فن من فنون الحديث النبوي، وأداة لحفظ الكثير من أحكام الدين، ومدعاة للاحتفاظ بمآثر الصالحين، كما يذهب إلى أنه فرض من فروض الكفاية.. واستمع إليه يقول [٢٥] :
علم التاريخ فن من فنون الحديث النبوي، وزين تقرّ به العيون، حيث سلك فيه المنهج القويم المستوي، بل وقعه من الدين عظيم، ونفعه يتعين في الشرع؛ إذ به يعلم أهل الجلالة والرسوخ ما يفهم به الناسخ من المنسوخ، ويظهر زيف مدعي اللقاء.. وتحفظ به الأنساب.. ولذا نعلم منه آجال الحقوق، واختلاف النقود والأوقات التي ينشأ عنها من الاستحقاق ما هو معهود، وينتفع به الاطلاع على أخبار العلماء والزهاد والفضلاء، والخلفاء والملوك والأمراء والنبلاء، وسيرهم ومآثرهم في حربهم وسلمهم، وما أبقى الدهر من فضائلهم.. بعد أن أبادهم الحدثان، وأبلى جديدهم الملوان... ولهذا صرح غير واحد من العلماء بأنه فرض من فروض الكفايات والراجح ارتقائه على فرض العين، للاندفاع بقيامه به عن غيره التأثيمات.
سابعًا-من فوائد التاريخ أن دراسته مسلاة، فإذا نزل بالإنسان هم أو غم، وقرأ تواريخ الأنبياء، والعظماء، وما انتابهم من أرزاء فصبروا عليها، ولم ينهاروا أمامها شعر بقوة في نفسه، وراحة في قلبه، ووجد في قصصهم مسلاة وعزاء، وجلاء لهمه، وذهابا لغمه... بل يجد فيه فوق ذلك مسرة ومتاعا.
ثامنًا- إن التاريخ يحقق التعارف الذي تندبنا إليه الآية الكريمة، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[٢٦] .