يحتاج صاحب هذا الفن إلى العلم بقواعد السياسة، وطبائع الموجودات، واختلاف الأمم والبقاع والأعصار في السير والأخلاق، والعوائد والنحل والمذاهب، وسائر الأحوال، والإحاطة بالحاضر من ذلك (أي يجب أن يحيط بأحوال عصره) ومماثلة ما بينه وبين الغائب من الوفاق أو بون (بعد) ما بينهما من الخلاف، وتعليل المتفق منهما والمختلف، والقيام على أصول الدول...ومبادئ ظهورها، وأسباب حدوثها، ودواعي كونها، وأحوال القائمين بها وأخبارهم، حتى يكون مستوعبا لأسباب كل حادث، واقفا على أصول كل خير، وحينئذ يعرض المنقول على ما عنده من القواعد والأصول فإن وافقها، وجرى بمقتضاها كان صحيحا، وإلا زيفة، واستغنى عنه.
وبناء على هذه الشروط، وغيرها مما رأى العلماء توفره في المؤرخ ولا سيما المسلم نرى أن التاريخ علم جليل القدر، وأن التصدي للاشتغال به يحتاج إلى مواهب فطرية فذة، وطاقات عظيمة، وأخلاق رفيعة، ودين صحيح.. فكيف وقد صار الاشتغال به في هذه الأيام -غالبا- إلى العلمانيين، والمستشرقين الكاشحين، وأتباعهم المقلدين؟!!
منطلقات في دراسة تاريخ الصحابة:
لابد للمشتغل بالتاريخ الإسلامي من دراسة الدور الذي قام به الصحابة (رضي الله عنهم) في هذا التاريخ، ولا غرو، فدورهم هذا، مع دور الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو أساسه ونبراسه، وقد كثر في دورهم الخلاف، وتشابكت فيه وجهات النظر في كثير من الأحيان.. وقد انتهيت - بعد تأمل- إلى منطقات في دراسة هذا الدور الجليل الدقيق الحساس أذكر خلاصتها فيما يلي، ولعلي قد أصبت الحق فيها:
أ-عندما ندرس تاريخ الصحابة يجب ألا يغيب عنا أنهم هم الطبقة المثلى التي فهمت الإسلام على حقيقته، وعملت به.
ب-إن الروايات في خلافاتهم يجب أن نقف منها موقفا غاية في الحذر والتحقيق، والنقد والتمحيص، لأن حقبتهم أضحت مجالا كبيرا لدس ذوي الأغراض المنحرفة والمآرب النفعية من سياسية ودينية وما إليها...