ثم نفرض جدلا أن سنة ١٥١٧مـ أدخلت البلاد العربية في طور انتهت معه مسوغات وصف تاريخنا فيها بأنه إسلامي، فهل- يا ترى- كان لهذه السنة الأثر نفسه بالنسبة إلى العالم الإسلامي كله، أظن أن الأحداث التي أشرنا إلى بعضها آنفا تأبى ذلك، وتؤكد استمرار إسلامية تاريخنا...
وإذن فإن الحكم على تاريخ هذه الأمة بأن ((إسلاميته)) قد انقضت بدخول العثمانيين هذه المنطقة هو حكم تعوزه مقومات الحكم العلمي السليم...
والصواب الذي لا ريب فيه هو وجوب نسبة تاريخ أمتنا إلى مناط انتمائها وولائها، إلى مفزعها في آلامها وآمالها، إلى الإسلام، وبناء على ذلك يجب أن يقال: أن التاريخ الإسلامي بدأ بظهور الإسلام وما يزال بحمد الله مستمرا، غير أنه لابد من تقسيمه إلى مراحل على نحو ما ذكرنا من اقتراح اللجنة التي ألمعنا إليها...
والخلاصة أن التاريخ علم جليل، يتناول بالبحث- كما قلنا- مختلف الوقائع والكوائن، ومختلف ألوان النشاط البشري التي تحدث على مسرح الحياة، ولا يقف بحثه إياها عند رواية أخبارها، بل يشمل تحديد زمان وقوعها، والوقوف على الروابط الظاهرة والخفية التي تنتظم شتاتها، وبيان كيفية وقوعها، وأسبابه ونتائجه وأثره في حياة الإنسان فردا أو جماعة، حالا أو مالا.
والتاريخ حكمة في فحواه، علم في منهج بحثه، وفي وقوع حوادثه حسب سنن إلهية لا تبديل لها ولا تحويل، أدب أو فن في إمتاعه العواطف البشرية ومناغاتها ومبلغ تأثيره فيها...
وهو ذو فوائد عظيمة جعلت منه علم رجل الدولة، وعلم رجل الدعوة، وعلم رجل التربية، وعلم رجل الإدارة، بل علم كل ذي مسؤولية ذات بال.