ولقد فطن أعداء هذه الأمة إلى الرباط الوثيق بين العربية والإسلام.. فلما يئسوا من إمكان التغلب على دين الله في مواجهة مكشوفة عمدوا لتحقيق مآربهم إلى تفكيك العربية، ففي المناطق التي غلبوا عليها من وطن الإسلام لجئوا إلى تعطيل الدراسة العربية أو تعويقها، فألغوها نهائيا من أوساط الحكم، وأحلوا مكانها لغاتهم، ثم التفتوا إلى الحرف العربي فنفوه من ميدان التعامل، وأقروا محله الحرف اللاتيني في كل قطر تمكنوا من إخضاعه لإرادتهم في هذا الميدان.. فبعد أن كان الحرف العربي هو أداة التسجيل لثقافات الشعوب الإسلامية جميعا تقلص عن معظم أقطارها، كما حدث لأندونسية وتركية، والدول الناطقة بالفرنسية والانجليزية من إفريقية، ولا تزال الجزائر تتخبط في بحران من الاضطراب بين الحرف العربي والحرف اللاتيني بل بين العربية نفسها والفرنسية التي لا تزال تأوي إلى أنصار كبار وكثار من أبناء المسلمين الذين يرفضون العودة إلى لغة القرآن في الجزائر والمغرب ويتشبثون بتلابيب اللغة الغازية على اعتبار أنها بنظرهم الأداة الوحيدة لاستمرار اتصالهم بالحضارة.
ومما يدعو إلى الكثير من الأسى أن دعاة الأجنبية في الشمال الإفريقي من موريتانية إلى تونس يتنافسون عامدين أو غافلين فضل لغة القرآن في صون شعوبهم من الذوبان أمام موجة الغزو التي بلغت من الشراسة أقصى ما يتصور الخيال، وكان عليهم لو أنصفوا أنفسهم وهويتهم أن يجاهدوا ليل نهار لتثبيت سلطان العربية في كل مجال، حتى تسترد قدرتها على تحقيق حاجاتهم الحضارية جميعا، فيتاح لهم أن يتحرروا من اللغة التي تتجسد فيها ذكريات الهوان والرزايا والمجازر التي عاشوا في غمرتها الحقب الطوال.