وبديهي أن أولئك المستغربين الذين يتشبثون بلغة المستعمر ويؤثرونها على لغة أمتهم، إنما يفعلون ذلك بدافع من مركب النقص الذي يعانونه بسبب جهلهم للغة الضاد، ثم لسبب أهم وهو انطباعهم بأسلوب التفكير الدخيل الذي تفرضه تلك اللغة الغربية، ذلك لأن اللغة ليست أداة تخاطب وتعبير فقط، بل هي إلى هذا عملية تصور نفسي ومنهج تفكير عقلي، فنشوء النفس في ظل لغة ما صائر بها إلى التفاعل مع مؤثراتها الخاصة، حتى لا تكاد تتذوق سواها إلا في كثير من التكلف.. وما دام القوم قد عاشوا لغة أعدائهم حتى خالطت جوارحهم وطبعت مشاعرهم دون أن يتزودوا من بيان العربية بما يحصنهم من الذوبان في غيرها، فعسير عليهم إن لم يكن مستحيلا أن يتخلصوا من إيحائها، لأن ذلك يكلفهم ما لا طاقة لهم به.
وقد شجع انحراف هؤلاء أخيرا حكومتي الصومال وماليزية، فإذا هما تقتحمان العقبة وتنبذان الحرف العربي، في الوقت الذي لا تنفكان تتحدثان فيه عن الإسلام بكل مناسبة، وتحضران المؤتمرات الإسلامية دون أن تريا في ذلك أي تناقض مع هذا الجفاء الخطير لآخر العلائق الأخوية بين بلادهما ولغة القرآن.. ولم تكن الهجمة على العربية مقصورة على جبهة دون أخرى.. بل كانت من الأحكام بحيث ألفت سلسلة متصلة الحلقات لا تسكت قذائفها من جانب حتى تنطلق من جوانب..