ومن المحزن المزعج أن تسري عدوى الاستخفاف بالعربية إلى أوساط دارسيها ومدرسيها.. حتى نرى أوفر الناس علما بها أكثرهم تهاونا بإعزازها.. حتى لا يسمحون لأنفسهم باستعمالها خارج حدود الكتابة أو الخطابة.. وفي ما عدا ذلك فهم أكبر مروجي السوقية حتى في حلبات الدرس، حيث يتوقع منهم التزام جانبها، لا يكادون يلجئون إليها إلا بعد تنبيه قد يصل إلى حدود الشكوى.. ولا أكشف سترا إذا قلت إن طلابا من مسلمي الأعاجم يفدون إلى البلاد العربية لاكتساب ملكة اللغة، فيفاجئون بخيبة لاذعة، إذ يجدون أنفسهم بإزاء مدرسين لا يحترمون لغة قرآنهم، بل كل منهم يلوذ بسوقيته فيفسر ويشرح ويقدم بها حتى دروس القواعد العربية.. ومهما أَنس لا أنس يوم لقيت طالبا ثانويا من أبناء أحدهم فسألته عن صحة والده وعن اختباره فلم يفهم مني حرفا لأني كنت أكلمه بلغة العرب.. ومن طريف الأحداث كذلك أن طالبا أعجميا وفد إلى إحدى الجامعات العربية لاستكمال دراسته بلغة القرآن فإذا هو بمدرسين لا يكادون يعرجون عليها، ولا يكاد يفهم منهم، فراح يستوضح عن كل كلمة يعجز عن فهمها حتى تبين أخيرا أن اللغو الذي يسمعه ليس من العربية، فاضطر إلى تذكيرهم بأنه لم يهاجر من بلاده القاصية ليتعلم غير اللغة التي تعينه على فهم كلام الله وكلام رسوله ... ومع أن تذكيره لم يذهب سدى إلا أنه ظل مضطرا إلى تكراره بين الحين والحين، لأن لسان هؤلاء المدرسين قد طبع على العامية فلا يكاد يستطيع مفارقتها إلى الفصحى.. ولعل شيئا من هذا قد حدث لطه حسين أثناء دراسته الأزهرية فدفعه إلى القول بأن الأزهريين لا يحترمون لغة القرآن حتى في تدريسهم للقرآن.. وهو تعميم مسرف لا ينطبق على الواقع كله ولله الحمد.