وتذكرني هذه المفارقات بطرفة أخرى ذلك أن مؤتمر وزراء التعليم العرب عقد في أحد مصايف لبنان الشمالي في مطلع أيام جامعة الدول العربية فراح كل منهم يرطن بسوقيته فلا يفهم أحد عن أحد.. حتى تذكروا أن لديهم لغة كريمة تستطيع إنقاذ الموقف.
العربية ووسائل التعليم:
وحتى وسائل الإعلام من صحف وإذاعة وتلفزة وهي التي كان بوسعها تدارك الكثير مما فات والقضاء على الكثير من الآفات قد أسهمت إلى حد كبير في إيذاء العربية، والترويج لأفكار أعدائها.. ولو تتبعنا برامج الإذاعة والتلفزة في معظم الربوع العربية لوجدنا نسبة ما تبثه باللغات السوقية يزيد كثيرا على ما يقابله بالفصحى.. ونشير من ذلك بخاصة إلى التمثيليات الشعبية التي تقدم باللهجات المحلية، وإلى الأغاني التي يندر فيها الفصيح، فضلا عما تحتويه من معان توافه تفسد الذوق العام وتسمم الضمير العربي حتى تجعله مستعدا للاستخفاف بكل القيم الفاضلة.
وكثيرون يذكرون مثلي تلك المقالة التي تصدرت ذات يوم إحدى كبريات المجلات الصادرة في بلاد العرب يتحدى بها كاتبها الشهير لغة العرب، إذ ينبزها بالعجز عن مجاراة التطور، بدليل أنه لا يستطيع أن يجد فيها اسما لكل جزء من سيارته الفارهة.. وما أحسب الرجل إلا مدركا مقدار المغالطة في تهمته، لأن المفروض بمثله العلم بأن حيوية كل لغة نابعة من حيوية أهلها.. فإذا جمدوا على أعتاب التخلف لم يطلب إليها أن تسبقهم إلى الأعلى.. ولقد كان الأحرى به أن يعمل قلمه في إلهاب المشاعر لمسابقة الزمن في إعمال المواهب المعطلة المحبوسة في معتقلات التقليد، لتستعيد مكانتها في موكب الحضارة ولتنقلب من محض مستهلك إلى منتج، يقدم للناس مصنوعاته الناجحة مغلفة بطابعه حاملة سماته مسماة بلغته.