ولا جرم أن الخلاص من هذا الوضع الشاذ يقتضي أن نستعيد الإحساس بذاتنا أولا، فندرك واقعنا ثم نتعاون على تغييره بالارتفاع إلى مستوى المسئولية، ويومئذ فقط سنعرف أن الخطوة الأولى لتصحيح مسيرتنا تبدأ من دائرة الاكتفاء الذاتي.. الاكتفاء أولا بمعطيات الرسالة التي مكنت لسلفنا الصالح من ناصية الأرض، إذ كونت من خامات الجاهلية المعطلة خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف الذي يضيء للإنسانية الحائرة مسالك النجاة، وتنهى عن المنكر الذي يتمثل في كل زيغ يدفع بأصحابه إلى الهاوية ... وبذلك يتاح لنا أن نتحرر من دوامة الضياع التي أغرقتنا بدعوات تتكشف كل يوم عن ضلال جديد ... وهناك فقط نشعر أننا استعدنا مكاننا المفقود ... فعدنا إلى صفوف القادة بعد التيه الطويل في صحراء التبعية، ثم الاكتفاء ثانيا بمقدرتنا على إنتاج الحاجات التي تتطلبها دواعي الحضارة التي لا حياة لأمة بدونها، وهي أحد الأهداف المنشودة من الرسالة الإلهية التي تقرر في أصولها الكبرى أن كل شيء في هذا الكون مسخر لمصلحة الإنسان، وكلا الأمرين على جلاله في متناول الإرادة لو استطعنا تحريرها من مركب النقص الذي ساقتنا إليه أحداث لم نكن بالخليين من تبعاتها ...
مخططات للتدمير:
ولكن ... من الذي سيتولى قيادة الأمة إلى الاكتفاء الذاتي في نطاق القيم والإنتاج!..
قبل أيام سمعت من بعض الإذاعات العالمية الخبر التالي: ((لقد تبين أن مئات الملايين من قروض حصل عليها أحد الأقطار العربية منذ سنوات لم يستعمل منها للمصالح التي تم من أجلها الاقتراض سوى النزر.. والتحقيق جار لمعرفة الأسباب ... وقد يكشف التحقيق عن أن ثمة تواطؤا مع تجار السوق السوداء هو الذي قضى بتعطيل هذه المئات من الملايين عن القيام بمهمتها ...