وتجيء في أعقاب ذلك ثالثة الأثافي ممثلة في المناهج الدراسية على اختلاف مراحلها، إذ لا تزيد على أن تشحن الأجيال بمركبات النقص، بما تترجمه من نظريات كثيرا ما تكون قد هجرت في الغرب والشرق على السواء، ولكنها فرضت على أبنائنا كأنها تنزيل من التنزيل... ومن هنا تزدوج المحنة، إذ على طالبنا أن يتجرع أخطاء الأمم دون رحمة، ثم عليه في الوقت نفسه أن يظل مؤمنا بأنه من أمة كتب عليها أن تتجرد من كل أثر للاستقلال الفكري، وسأكتفي بمثل لعله يساعد على إيضاح فاعلية المناهج في شخصية الطالب العربي، لما استحكمت الدعاية إلى الاشتراكية كان لابد من انعكاس آثارها على مناهج الدراسة.. فبعد أن كانت كلاما يقال في الأندية الحزبية وفي نطاق بعض الصحف المعزولة إذا هي قوانين تفرض ويساق الناس للتصفيق لها ولدعاتها على أنهم رسل الإنقاذ وعباقرة الفكر.. وما هي إلا خطوة إثر خطوة حتى كان لها الحصص الطوال في مواد الدراسة والتوجيه.. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل سرعان ما ولدت نظريات تؤكد أن الاشتراكية هي نظام الإسلام الأصيل مستوحى من القرآن والسنة.. ثم جاءت المرحلة الآخرة لتقول: إن الاشتراكية وليدة القرمطية، وأن القرمطية زبدة النظام الإسلامي في المال والحكم! ودون حياء أو تحفظ أخذت هذه المفتريات سبيلها إلى مناهج التعليم حتى في أعرق المعاهد الإسلامية، وفي صحف تصدر عن أكبر المؤسسات الرسمية التي تحمل شعار الإسلام!..
وبقليل من التأمل يدرك المفكر مدى التحول النفسي الذي ستثمره هذه التطورات الخطيرة.. لقد بدأت تلك الأفكار كمحاولة للتعريف بخصائص الاشتراكية ولكنها انتهت إلى أن تصبح عملية تغيير في مفهوم الإسلام نفسه حتى بتنا نسمع أصواتا ذات وزن أدبي وديني تعلن أن الإسلام هو الاشتراكية والاشتراكية هي الإسلام.