وعلى هذا فلا مندوحة من إلمامة قصيرة بواقع الأدب العربي، لنرى ما يمثله من أصالة أو غرابة، وإلى أي مدى يسهم في خدمة هذه اللغة الكريمة...
وسأحاول أولا تعيين مدلول موجز لكلمة الأدب بغض النظر عن التعريفات المختلفة المتموجة، ففي يقيني أنه البيان بالكلمة المناسبة عن مضمون النفس والنفس والعقل والشعور وسائر مصادر النشاط العاطفي عناصر لا يمكن عزلها عن موحيات البيئة على اختلاف مركباتها الاجتماعية والثقافية والتاريخية والطبيعية، يقول ألكسيس كاريل في كتابه النفيس: الإنسان ذلك المجهول: إننا عاجزون عن حماية أنفسنا من تأثير المجتمع لأن حدود النفس مفتوحة لهجوم المحيط العقلي والروحي ...) ، فالأديب إذا من حيث كونه فردا في جماعة لا يستطيع تحرير أفكاره ومشاعره من سلطان البيئة، ولا مندوحة لها من أن تفرض عليه آثارها ولكنه من حيث كونه إنسانا مزودا بقابلية التطلع إلى الأبعد، والتفكير فيما وراء حدود الواقع، يتجاوز بهذا الامتياز حدود الترديد لما يتلقاه، إذ يأبى بطبعه أن يكون صدى محضا لهتفات البيئة.. ومن هنا كان التفاوت بين زمر الأدباء إذ كلهم منفعل بمؤثرات المجتمع، إلا أنه في الوقت نفسه متطلع إلى ما يتصوره الأصلح والأجمل لمجتمعه، انسياقا مع غريزة التجديد، التي هي الحافز الغرزي لتطوير الحضارة البشرية.
والآن بوسعنا أن نرجع البصر في منطلقات الحركات الأدبية على امتداد الأقطار التي تغتذي بالكلمة العربية من شواطئ الأطلسي إلى مشارف دجلة وأقاصي الخليج..