وطبيعي أن الأجيال الناشئة في هذا المناخ غير القرآني لن تجد في مكتساباتها الفكرية ما يحصنها بوجه التيارات الدخيلة إذ تصبح على أتم الاستعداد للاندماج في أي اتجاه مؤيد بالمغريات.. وفي هذا الجو المرجوح برزت الطبقة الجديدة التي سحرها بريق الفكر الدخيل على اختلاف مذاهبه، فراحت تتبع آثاره وتنشر أخباره، وتزين للناشئين أوزاره حتى لم يستنكف بعض دعاة هذا الاستغراب أن يدعو إلى تحطيم القيم الإسلامية، فيجرئ السفهاء على التنكر لحقائق القرآن، والإقبال على مسالك الغرب دون تفريق بين النافع منها والضار، لأن الحضارة بزعمهم كل لا يتجزأ، فلا مندوحة عن أخذه بعجزه وبحره..
وانفرجت زاوية الانحراف تبعا لاتساع نطاق التواصل الفكري العالمي، سواء عن طريق البعثات التي أتم معظمها حلقة التطويق على القيم الإسلامية باندماجها العملي في الحضارة التي دمرت سعادة الإنسان واطمئنانه _ بشهادة أساطينها _ أو عن طريق المترجمات والمنشورات التي أغرقت العالم العربي بسيول الفكر الدخيل، ثم عن طريق الوسائل الإعلامية المنظورة والمسموعة التي اقتحمت البيت الإسلامي دون استئذان، فعودته ما لم يعتد من المشاهد وقربت إلى قلبه كل ما من شأنه أن يسلبه بقية امتيازه الروحي ...
وهكذا كان على الأدب الحديث أن يمثل مجموع هذه التيارات التي تخضّ المجتمع العربي الإسلامي فيكون له ألوانه ولكل لون دعاته، وكلهم مشدود إلى هذا أو ذاك من الجواذب الغريبة عن شخصيتنا الأصيلة.