للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونعود إلى موضوع نشر العربية في المجال العالمي فنذكر بأن ذلك يقتضي الاهتمام بوسائل هذا النشر، فمعلوم أن شكاوى كثيرة تصاعد في كل مكان عن صعوبة العربية.. وليس هذا موضع الرد أو النقد لهذه الشكاوى، إذ من الطبيعي ألا تكون على مستوى واحد من حيث الدوافع.. فهناك المغرضون الذين يريدون مجرد التنفير من العربية باختلاق المعايب لها، وربما جاهدوا لقلب فضائلها نقائص.. ولكن هناك أيضا المخلصون الذين يمارسون تجربة التعليم منذ عشرات السنين، فيواجهون في طريقهم الكثير من المصاعب؛ ذلك أن الوسائل التي يستعان بها لتعليم العربية لا تزال ضمن نطاق الموروثات القديمة لم يعترها التعديل أو التطوير إلا قليلا، وتستيقظ الآن في أعماقي ذكرى أيام كنت أتلقى فيها علوم العربية على أحد الشيوخ من خريجي الأزهر.. فأضطر إلى العض على راحتي بكل ما أملك من قوة لأمنع نفسي النوم خشية أن تفوتني خفية من الدرس لا أستطيع تداركها.. ولا أريد بذلك أن طريقة التنويم هذه هي نفسها طريقة كل مدرس للعربية اليوم، بل أقول: إننا لم نفد كثيرا من التطورات الحديثة التي طرأت على طرائق التعليم الخاصة باللغات، لقد سمعنا وشاهدنا الكثير من مؤتمرات العرب في القانون والهندسة والزراعة والأدب والشعر والفن.. ولكننا لم نسمع قط عن مؤتمر عقد للبحث في الانتفاع بخبرات الحضارة لتعليم لغة العرب.. أجل لقد سمعنا عن محاولات لتيسير القواعد، وقرأنا مؤلفات تقوم على استبدال مصطلحاتها على وجه لا يراد به على أفضل الاحتمالات أكثر من التلاعب بالألفاظ، واستقطاب الأنظار إلى عبقريات أصحابها.. هذا إذا لم نقل إن وراء الأكمة ما وراءها من محاولات الإساءة للعربية، والذي أؤمن به في هذا الصدد هو أن لغة الأمة جزء أساسي من ذاتيتها، عليها أن تتقبله كما تلقته، ثم تسلمه أجيالها القادمة كما تسلمته، دون أي مساس بأصولها المميزة كالإعراب ومخارج الحروف والتزام التراكيب الأصيلة،