وثمة قضية على جانب كبير من الغرابة والخطورة معا، تلك هي إجماع وزارات المعارف في كل بلد عربي على تعليم الأجنبية في المرحلتين الإعدادية والثانوية، وهو أمر لا يزال يثقل كاهل التلاميذ بأعباء غير يسيرة، على حساب العربية والدين وغيرهما من المواد الرئيسية.. وقد أثبتت التجربة الطويلة أن المردود الوحيد الذي جنيناه من هذا الاتجاه هو ضحالة الثقافة مطلقا، وشحن نفوس الشباب بشعور التبعية للأمم التي فرضت عليهم لغاتها.. يضاف إلى ذلك أن هذا الطالب المسكين لا يكاد يطأ أرض العالم الغربي للدراسة الجامعية حتى يفاجأ بصدمة الجهل التام للغة المفروضة، فيلجأ إلى المعهد الخاص لإعداد أمثاله، وقد تستغرق هذه المحاولة زمنا غير يسير ليتمكن من الالتحاق بالقسم الذي يريد.. ولو نحن أمعنا الفكر في قوادم هذا الوضع وخوافيه لأدركنا عظم الخطأ الذي اقترفناه بذلك التقليد غير الواعي.. إذ أضعنا جزءا كبيرا من حياة هذا الطالب دون ثمرة، سوى ما أسلفناه من شعور التبعية، والإحساس بصغار الجنس الذي ينتمي إليه، بإزاء الأمة التي أكره على إذابة الكثير من طاقاته في التشمم للغتها.. ولعل هذا أشد ما يكون بروزا في دور إعداد المعلمين للمرحلة الابتدائية، حيث يهدر الزمن غير القصير من حياة الطالب في دروس الأجنبية، دون أن يحتاج إلى كلمة منها طوال جهاده في تعليم الصغار.
أجل.. إنني بكل صراحة، وبعد تجربة ثلث قرن في ميدان التعليم، أرفع صوتي بهذا الاقتراح وهو إنقاذ الجيل العربي من هذه الورطة.. وبديهي أن اقتراحي يشمل الدراسة الجامعية نفسها التي سبق أن أشرت إلى ضرورة وقفها على العربية وحدها إلا في الأقسام الخاصة باللغات الأجنبية ...