فلما تبين لهما أن الأمر لم يكن مقصودا، وأن الاجتماع إنما تم بناء على مبادرات أسرع إليها المجتمعون، ولم يكن نتيجة تنادي بعضهم بعضا حتى يقدم البعض ويؤخر البعض، ذهب ما شعر به من الغضب، لا سيما وهما يعلمان ضرورة البت السريع في مثل هذا الأمر الخطير، وقد انتخب من كان يريان، أنه أولى الناس بالانتخاب ولذلك جاءا إلى المسجد وبايعا علنا أمام الملأ من الناس. وصرحا بسبب غضبهما وأكد هذا المعنى فقال: ماغضبنا إلا لأنا أخرنا عن المشورة، وإنا نرى أن أبا بكر أحق الناس بها، وأنه لصاحب الغار، وإنا لنعرف شرفه وخيره، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي بالناس وهو حي.
ويعقب ابن كثير على هذا الخبر فيقول: إسناد جيد ولله الحمد والمنة [١٣] .
ويروي ابن كثير عن سفيان الثوري عن عمرو بن قيس عن عمرو بن سفيان قال: لما ظهر علي على الناس قال: يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئا، حتى رأينا من الرأي أن نستخلف أبا بكر فأقام واستقام حتى مضى لسبيله [١٤] .
وروى البيهقي عن أبي وائل، قال: قبل لعلي أبي طالب، ألا تستخلف علينا؟ فقال: ما استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستخلف ولكن إن يرد الله بالناس خيرا فسيجمعهم بعدي على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم.
ويعقب عليه ابن كثير فيقول: إسناد جيد ولم يخرجوه [١٥] .
وهكذا نجد أن انتخاب الصديق قد تم بإجماع الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم- ولم يتخلف عنه أحد. ويقول العلامة ابن كثير رحمه الله تعالى:"ومن تأمل ما ذكرناه ظهر إجماع الصحابة والأنصار على تقديم أبي بكر ".
وظهر له برهان قوله عليه الصلاة والسلام:"يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ".