وتجاوز بعض الاعتبارات المعهودة في مثل هذه الاجتماعات والمناقشات التي تنشأ عن وهم أو غير ذلك مما لا تنزل بصاحبها عن مستوى العدالة، إلا أنها ليست في ذاك المستوى الساحق الذي تسامى عليه المهاجرون والأنصار - رضي الله تعالى عنهم - في اجتماعهم التاريخي الذي عقد في السقيفة، والذي جاء بالخير الكثير بعد نبيهم - عليه الصلاة والسلام -.
ولقد أدرك الصحابة هذا الخير العميم الذي نشأ عن ذلك الاجتماع التاريخي، والذي جاء به اختيار أبي بكر خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال أبو هريرة رضي الله عنه معبرا عن ذلك: والله الذي لا إله غيره، لولا أن أبا بكر استخلف ما عبد الله! ثم قال في الثانية، ثم قال في الثالثة.
فقيل له: مه يا أبا هريرة. فقال أبو هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه أسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشام فلما نزل بذي خُشب قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب حول المدينة، فاجتمع إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا بكر رد هؤلاء، توجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة؟ فقال: والذي لا إله غيره، لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رددت جيشا وجههه رسول الله ولا حللت لواء عقده رسول الله.
فوجه أسامة، فجعل لا يمر بقبيلة يريدون الارتداد إلا قالوا: لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم. فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين، فثبتوا على الإسلام [١٨] .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكأنه يرد على وسوسة منافق أو مشكك أراد نشرها، قال:.. فلا يغترن امرؤ أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة، ألا وإنها كانت كذلك، ألا وإن الله عز وجل وقي شرها، وليس فيكم اليوم من يقطع الأعناق مثل أبي بكر.