وليس هناك نبي من الأنبياء عرف من شؤون حياته ما عرف الناس من حياة محمد صلى الله عليه وسلم، وليس في حياتهم ما يمكن أن يتخذ مثلا أعلى للحياة الإنسانية إلا محمدا صلى الله عليه وسلم في هديه وسيرته فموسى عليه السلام عمر طويلا، فما الذي نعرفه من حياته الطويلة التي بلغت مائة وعشرين سنة؟ إننا لا نعلم إلا مولده وشبابه وهجرته وزواجه وبعثته، إن كل ما يعنينا من سيرة النبي الاجتماعية هي أخلاقه وعاداته وهديه، فهي الأسوة والقدوة في الحياة.
وعيسى عليه السلام وهو أقرب الأنبياء من محمد صلى الله عليه وسلم ماذا نعرف من حياته؟ إنه قد عاش ثلاثا وثلاثين سنة كما يروي الإنجيل، ولكن هذا الكتاب لم يشتمل إلا على ثلاث سنوات من أواخر حياته. .
وهكذا تبقى سيرة محمد صلى الله عليه وسلم النموذج الكامل للأسوة والقدوة الحسنة فهي الحياة الكاملة والسيرة الجامعة. . والكتاب الذي أنزله الله عليه وهو القرآن الكريم حفظه الله من التبديل والتحريف، أما أسفار التوراة فقد خالج الباحثين في أمرها الشكوك، وقد جاء في دائرة المعارف البريطانية "أن هذه الأسفار دونت وجمعت بعد موسى عليه السلام بقرون كثيرة، وأن فيها لكل حادثة روايتان مختلفتان"[٤] .
وقد اقتصرت الأناجيل على أربعا غير إنجيل (برنابا) و (الطفولة) ولا يعرف شيء عن الذين قاموا بجمع هذه الأناجيل، ولا اللغة التي كتبت بها لأول مرة، وقد تناولت مجلة (روبر كورت) هذه المسألة فقالت: إن كل ما يوجد الآن في الأناجيل إنما هو بقايا مما ترك الوثنيون واليونان والرومان وثار الجدل حول: هل للمسيح وجود تاريخي؟ فإذا كان المسيحيون أنفسهم يثور بينهم الجدل على هذا النحو فماذا يقول الملاحدة من الماركسيين [٥] .