والجمهور الإسلامي ليس مخيرا في آداء واجب الرقابة على المجتمع وإنما هي مسؤوليته التي أنيطت به لغرض الإرشاد العام لتقويم المعوج، وتشجيع المستقيم وإعانته على الاستمرار وكانت فرضا عليهم بقوله تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[٣٤]
وقد ذم القرآن بني إسرائيل من اجل أنهم لم يأخذوا بمبدأ الرقابة هذا مأخذ الجد، فأفسحوا مكانا للشر في مجتمعهم بترك الرقابة على المفسدين فقال تعالى:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}[٣٥] .
وينظر الإسلام إلى الرقابة على أنها انتصار لكرامة الجماعة، وتلبية لنداء الفضيلة والرجولة، فإن التهاون فيها يتنافى والكرامة التي تدفع أصحابها إلى عنها والغضب من جلها والثأر لها.
وقد روي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحقر أحدكم نفسه"قالوا: يا رسول الله، كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال:"يرى أمرا لله فيه مقال، ثم لا يقول فيه شيئا ".
وينظر الإسلام تارة أخرى إلى الرقابة على أنها عنصر من عناصر احترام المجتمع وتقديسه، وعامل من عوامل انتعاش الأمة وتماسكها، ومظهر من مظاهر المجتمع الفاضل الذي يكسب احترامه لنفسه.
وقد أدرك المسلمون هذه الحقيقة فتمسكوا بها وفهم الناس أهدافها فحرصوا على مبدأها، وأدرك الفقهاء أسرارها فكانت في كتبهم أبوابا وفصولا. . على النحو التالي: