النوع الأول: هو الرقابة الجماهيرية العامة المطلوبة من كل الناس تعبدا وامتثالا لقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} .
وامتثالا لقوله عليه الصلاة والسلام:"من رأى منكم منكرا فليغيره بيده. . " الحديث.
النوع الثاني: الرقابة الجماهيرية الخاصة تقوم بها الجماعة المكلفة من الدولة بذلك ويطلق عليها في العصر الحاضر"شرطة الآداب"ويسميها الفقهاء: "الحسبة"
غير أنها أكثر من شرطة الآداب، لأنها تراقب جميع أنواع المظالم والمفاسد والتعديات والمخالفات، وعلى هذا فهي:"أمر بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله"[٣٦]
والفرق الجوهري بين شرطي الآداب اليوم والمحتسب في النظام الإسلامي أن الشرطي يقوم بواجبه يحكم وظيفته وهو أمر غير مضمون الفعالية والتأثير بينما يقوم المحتسب بواجبه استجابة لعقيدته، وامتثالا لدينه، ومرضاة لله وعبادة له، وبهذا فهو مخلص في مهمته مندفع في واجبه، حريص على مصالح مجتمعه، كل هذا إذا أحسن اختيار المحتسب، وأجيد تدريبه، وأتقنت تربيته وتهذيبه.
ولقد كان لنظام الحسبة في الإسلام أثر فعال في نقاء المجتمع، وردع المنحرفين، وزجر المجاهرين بالفوضى والفساد. وكان ذلك سببا لإقلاع الكثير من الأفراد عن أسباب لانحراف خوفا من الإهانة حتى أصبحت الفضيلة طبعا فيهم، وقد تكلم الفقهاء عن الحسبة في أبواب مستقلة من كتبهم الفقهية، ونقتطف بعض أقوالهم للتدليل والتمثيل.
يقول القاضي أبو يعلى المالكي [٣٧] : وأما ما تعلق بالمحضورات فهو: أن يمنع الناس من مواقف الريب، ومظان التهمة، ويقوم الإنكار ولا يعجل بالتأديب قبل الإنذار.
وإذا رأى وقوف رجل وامرأة في طريق سابل لم تظهر منهما أمارات الريب: لم يعترض عليهما بزجر ولا إنكار، فما يجد الناس بدا من هذا.