ولما كان السكران الذي يبدي صفحته للناس رجلا بل حياء لأنه أضاعه بالسكر وإنسانا بلا كرامة لأنه أهدرها بالسفه، وشخصا بلا مروءة لأنه أتلفها بالخبل، فقد جعل الله عقوبته مهينة محقرة، تصيب الحياء ولا تؤذي الجسد وتجرح الكرامة ولا تجرح الجسم، وتدعو إلى التحقير ولا تستدعي الطبيب.
وعقوبة الشارب عدد من الجلدات الخفيفة، وآلة الجلد: نعل أو ثوب أو ما شاكل ذلك مما يهين ولا يوجع.
إجراءات الحاكم قبل الحكم بالعقوبة:
لما كان الهدف من لعقوبة في الشريعة الإسلامية هو الإصلاح والتأديب إلى جانب الزجر، ولما كانت عقوبات الحدود مبنية على الدرء، فإن الحاكم مأمور أن يتبع إلى ذلك جميع الوسائل الممكنة قبل أن يصل إلى مرحلة الحكم، وقد كان الخلفاء يبادرون إلى النصح والتأديب قبل اللجوء إلى العقوبة.
فقد روي عن الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه تفقد رجلا يعرفه، فقيل له: إنه يتابع الشراب، فلم يبادر الخليفة إلى عقوبته بل كتب إليه:"إني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، غافر الذنب، وقابل التوبة، شديد العقاب، ذو الطول، لا إله إلا هو، إليه المصير".
فلم يزل الرجل يرددها ويبكي حتى صحت توبته وأحسن النزع، فبلغت نوبته عمر، فقال لمن حضر مجلسه:"هكذا فاصنعوا، إذا رأيتم أخا لكم زل زلة فسددوه ووفقوه، وادعوا الله أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعوانا للشيطان عليه".
وعلى هذا فإن العقوبة هي الحل الأخير توقع على من استفحل خطره، وطاش صوابه، وأفلت زمام نفسه، ولم في نفسه أن يقدم عذرا مقبول، أو سببا مشروعا، بعد أن حقق له المجتمع الإسلامي كل الحاجات التي تغنيه عن هذا الموقف.