للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي ذلك يقول الأستاذ العقاد - رحمه الله -[٣٩] : "والعقوبات القرآنية تكفل للمجتمع حاجته التي تغنيه من العقوبة، وهي قيام الوازع ورهبة المحذور، ولكنها لا تحرم الفرد حقا من حقوقه في الضمان الوثيق والفرصة النافعة. وأول ضمان للفرد فيها شدة التحرج في إثبات التهمة، وتأويل الشبهة لمصلحته في جميع الأحوال، وتمكينه من الصلاح والتوبة إذا كان فيه مستصلح ومتاب.

وأيا كان القول برعاية الحرية والشخصية في فرض العقوبات، فليس في وسع غال من غلاتها أن يقطع بأن مسألة الزنا أو مسألة السكر من المسائل الفردية التي يترك فيها الأمر كله لآحاد الناس.

ففي الزنا والسكر مساس بقوام الأسر، وأخلاق الجماعة، وسلامة الذرية لا مراء فيه. ومتى بلغ من الزاني أن يشهده أربعة شهود عدول، وبلغ من السكير أن يصل القاضي بين شاهدين عدلين والخمر تفوح من فمه، فليست هناك مسألة فرد يفعل ما يحلو له بينه وبين نفسه، ولكنها مسألة المجتمع كله في كيانه وأخلاقه، وأسباب الأمن والطمأنينة.

وقد تبدو من هذا حكمة من حكم الشرائط التي اشترط الشرع الإسلامي توافرها لإقامة الحدود.

وننتهي من ذلك كله إلى نتيجتين يقل فيهما الخلاف بين المسلمين وغير المسلمين، وهما: أن قواعد العقوبات الإسلامية قامت عليها شؤون جماعات من البشر آلاف السنين، وهي لا تعاني كل ما تعانيه الجماعات المحدثة من الجرائم والآفات.

وأن قواعد العقوبات المحدثة لم تكن تصلح للتطبيق قبل لألف سنة، وكانت تنافر مقتضيات العصر في ذلك الحين، ولكن القواعد القرآنية بما فيها من الحيطة والضمان، ومباحات التصرف الملائم للزمان والمكان، قد صلحت للتطبيق قبل ألف سنة، وتصلح للتطبيق في هذه الأيام وبعد هذه الأيام.