هذا هو المجمل للمسلك الإسلامي لمحاصرة الخمر والمسكرات وهذا هو الموجز للآثار الإيجابية التي نتجت عن هذا المسلك، حين بقيت الخمرة في المجتمعات الإسلامية على مدى أربعة عشر قرنا من الزمن تشعر بالغربة وتحس بالوحشة، وتشكو الوحدة، وتعاني من تجافي المسلمين عنها وهجرهم لها، وتقاسي من العزلة في الأزقة المظلمة والدهاليز الرطبة الرطبة. توجعها المطاردة المخلصة وتؤرقها العيون المتلصصة، وتقلقها العواطف المعادية من كل الناس، إذا احتواها إناء فقد العصمة والضمان، وإذا آواها بيت فقد الحماية والأمن.
كان ذلك كله أثرا من آثار الدين في محاربة الخمر والمسكرات، تلك الآثار التي حكمت الناس من غير خوف، وتحكمت في التصرفات من غير عنت، واستحكمت في النفوس من غير قهر.
فلما ضعف هذا الوازع الديني في نفوس الناس ضعف معه كل شيء، فإن من أبرز سمات المسلمين اليوم هو انعدام الوضوح في الغاية والوسيلة، ونقص الترية في الإيمان والعقيدة، وضعف التدريب في التطبيق والعمل، واختلال الطاقة في الالتزام والانتماء، وارتباك المعنى في الطاعة والتسليم.
ومن هنا عمت المجتمع عيوبه القبيحة، وأنهكته أمراضه الخبيثة، وأوهنت قواه سلبيات وآفات تزيد ولا تنقص، وتقوى ولا تضعف، وتشتد ولا تهن: غش في المعاملة، وغبن في البيع، ورشوة في قضاء الحاجة، ووساطة في الحصول على الحق، وكذب في الدعوى، وإثم في العلاقة، وخمر في استجلاب السرور، ومخدر في دفع الألم.
فإذا أردنا قول الحق من غير ضياع للوقت، وإذا رغبنا في الرأي الناصح من غير خداع للنفس، وإذا سلمت لمنطق العقل من غير مغالطة أو مكابرة، فإن علاج ذلك كله إنما هو في الرجوع إلى العقيدة الدينية.