وإنما كان كذلك. لأن الائتلاف بالتشاكل، والتشاكل بالتجانس، فإذا عدم التجانس من وجه انتفى التشاكل من كل وجه، ومع انتفاء التشاكل يعدم الائتلاف.. فثبت أن التجانس وإن تنوع أصل الإخاء. وقاعدة الائتلاف.
وقد روى يحيى بن سعد عن عمر، عن عائشة رضي الله عنها. عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف. وما تناكر منها اختلف" فالأرواح بالتجانس متعارفة، وبفقده متناكرة. قال الشاعر:
فلا تحتقر نفسي وأنت خليها
فكل امرئ يصبو إلى من يشاكل
وقال آخر:
فقلت أخي قالوا أخ من قرابة
فقلت لهم إن الشكول أقارب
نسيبي في رأيي وعزمي وهمتي
وإن فرقتنا في الأصول المناسب
ثم يحدث بالتجانس. المواصلة بين المتجانسين، وهي المرتبة الثانية من مراتب الإخاء. وسبب المواصلة بينهما وجود الاتفاق بينهما. فصارت المواصلة نتيجة التجانس.. والسبب فيه وجود الاتفاق. لأن عدم الاتفاق منفر. وقد قال الشاعر:
الناس إن وافقتهم عذبوا
أولا فإن جناهم مر
كم من رياض لا أنيس بها
تركت لأن طريقها وعر
ثم يحدث عن المواصلة رتبة ثالثة وهي المؤانسة. وسببها: الانبساط.
ثم يحدث عن المؤانسة رتبة رابعة وهي المصافاة. وسببها: خلوص النية.. ورتبة خامسة.. وهي المودة وسببها الثقة. وهذه الرتبة هي أدنى الكمال، في أحوال الإخاء. وما قبلها أسباب تعود عليها. فإن اقترن بها المعاضدة.. فهي الصداقة، ثم يحدث عن المودة، رتبة سادسة، وهي المحبة، وسببها: الاستحسان، فإن كان الاستحسان لفضائل النفس. حدثت رتبة سابعة. وهي الإعظام. وإن كان الاستحسان للصورة والحركات حدثت رتبة ثامنة، وهي العشق، وسببه الطمع. وقد قال المأمون رحمه الله تعالى: