وهذه الرتبة آخر الرتب المعدودة. وليس لما جاوزها رتبة مقدرة. ولا حالة محدودة، لأنها قد تؤدي إلى ممازجة النفوس. وإن تميزت بذواتها، وتفضي إلى مخالطة الأرواح. وإن تفارقت أجسادها.. وهذه حالة لا يمكن حصر غايتها، ولا الوقوف عند نهايتها.. وقد قال الكندي: الصديق إنسان هو أنت إلا أنه غيرك..
ومثل هذا المروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين أقطع طلحة بن عبيد الله أرضا، وكتب له بها كتابا، وأشهد فيه ناسا. منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأتي طلحة بكتابه إلى عمر ليختمه، فامتنع عليه عمر.. فرجع طلحة إلى أبي بكر رضي الله عنه وقال: والله ما أدري أنت الخليفة أم عمر؟ فقال: بل عمر لكنه أنا [١٤] ..
أما المؤاخاة المكتسبة بالقصد.. فلابد لها من داع يدعو إليها، وباعث يبعث عليها.. وقد يكون الداعي لها من وجهين: رغبة وفاقة.. فأما الرغبة فهي أن يظهر من الإنسان فضائل تبعث على إخائه، ويتوسم بجميل يدعو إلى اصطفائه.. وأما الفاقة.. فهي أن يفتقر الإنسان لوحشة انفراده، ومهانة وحدته، إلى اصطفاء من يأنس بمؤاخاته، ويثق بنصرته وموالاته [١٥] ..
وأعز ما تملكه الجماعات الإخاء فهو الرصيد الثابت، والقاعدة الصلبة والمرتكز الصاعد.
والأخوة في الإسلام. قاعدة الحياة ولا حياة بدون إخاء. وإخوان..والأخوة في الإسلام فوق كل الحاجز الجنسية، والعرقية. والقومية، والحزبية، والسياسية، وهي في الإسلام على أصول أصيلة، وقواعد متينة.
ومن ذلك وحدة الأصل الإنساني فالناس جميعا على اختلاف أجناسهم، وتمايز ألوانهم، وتباعد أقطارهم، يرجعون إلى أب واحد، وأصل واحد، ولطالما ذكر القرآن الكريم هذه الحقيقة وبينها في أساليب شتى، وآيات متعددة، لكي تكون دائما موضع الاعتبار، والرعاية.