فهذه الآية العظيمة – كما ترى – تقرر أصلا من أصول الإسلام، وهو المساواة بين الناس.. ولقد قررت هذه الآية. مبدأ ضخما من المبادئ الإنسانية السامية.. فهي من معجزات هذا القرآن الذي أنزله الله ضياء للناس ونورا. يهتدون به، وبرهانا ساطعا ينير السبل أمامهم [١٧] .
وكان العالم قبل انبثاق نور الإسلام. يموج في الظلم، ويضطرب في الفساد، وتسوده الهمجية، والعصبية الجاهلية، وتخيم عليه ضلالات العصور القديمة، وقد نشر الرعب أجنحته على الدنيا وزاد الفساد، وتفاخر بالأنساب، وعاشوا تحت ظل نظام الطبقات..
في هذه الظلمة الداكنة، ينبثق فجر الإسلام، فتبدد أنواره، تلك الغيوم السوداء،.. وتنزل هذه الآية الكريمة، لتقرر مبدأ إنسانيا عظيما.. وهو إعلان المساواة بين البشر، كل البشر [١٨] .
ويهتم القرآن الكريم بالإنسانية والبشرية، اهتماما يفوق حد الوصف. وهذه كلمة "الناس"يتكرر استعمالها في أساليب القرآن الكريم نحوا من مائة وأربعين مرة.. كثير منها جاء خطابا للبشر عموما. وكثير منها ورد دالا على الجنس البشري.
وهذه أيضا كلمة "الإنسان"تستعمل في آيات القرآن الكريم، في لأكثر من ثمانين موضعا.. في أساليب متنوعة. عائدة بالمفكر والعاقل، إلى أصل الإنسان. ولا شك أن استعمال "الناس"و "الإنسان"بهذا الاهتمام يخلق في المسلم تربية إنسانية، تعجز عن الوصول إليها أساليب رجال التربية الحديثة، أمثال: جان جاك روسو، وهربارت سبنسر، وجون ديوي، ووليم جيمز،.. وغيرهم من فلاسفة التربية، حتى كلمة البشر الدالة على الجنس الإنساني الواحد، تستعمل في القرآن الكريم، في أكثر من خمس وثلاثين آية، وهكذا يهتم القرآن الكريم. بكل ما من شأنه أن يوقظ في الناس، أحاسيس الإنسانية، ويربي الخلق الإنساني.. والإسلام جاء ليقيم بين البشر رابطة الإنسانية القائمة على ارتباط البشر جميعا بالله خالق الأرض والسموات.