ومن هؤلاء محمد بن عبد الملك الزيات, وكان أديبا بليغا، وشاعراً محسنا، متكامل الأداء والوفاء, قد استطاع بذكائه وعلمه أن يصعد إلى الوزارة, وأن يعمل وزيرا لثلاثة خلفاء, هم: المعتصم, والواثق, والمتوكل.
وقصة صعوده إلى الوزارة طريفة ظريفة, فقد صنع من علمه ولباقته سُلَّماً من القشِّ الهشِّ وصعد عليه إلى الوزارة.
فقد حدث أن الخليفة المعتصم سأل وزيره أحمد بن عمار البصري عن الكلأ ما هو؟ فقال ابن عمار: لا أدري, فقال المعتصم: أي حكم هذا؟ خليفة أميّ, ووزير عاميّ, ثم قال: انظروا من بالباب من الكتّاب فوجدوا محمد بن عبد الملك الزيات, وأحضروه إليه فسأله عن الكلأ؟ فقال: هو العشب على الإطلاق, فإن كان رطبا فهو الخلي, وإن كان يابسا فهو الحشيش, ثم شرع في تقسيم النبات فاستوزره وارتفع شأنه [٦] .
وأصبح له دولة وسلطان, حتى أقبل إليه الشاعر الملهم حبيب ابن أوس الطائي المعروف بأبي تمام, وأخذ يتودد إليه, وليس أجمل في هذا المقام من الحديث عن القلم الذي فضله وأوصله.
أرأيت - يا صديقي - كيف كانت صحبتي؟ وكيف أضاءت هذه الصحبة ذهن ابن الزيات, حتى استطاع أن يقول الكلمة في حينها, وأن يصعد عليها إلى ما يريد؟